أين ذهبت يا صديقي الجميل ؟

15 - نوفمبر - 2013 , الجمعة 08:38 مسائا
5015 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةمحمد علي محسن ⇐ أين ذهبت يا صديقي الجميل ؟

محمد علي محسن
أين ذهبت يا صديقي الجميل ؟
محمدعلي محسن

أين ذهبت يا صديقي الجميل عبد الحكيم ؟ كيف لك الرحيل هكذا ودون وداع اصحابك المتيمين الولعين بخفتك وابتسامتك وبراءتك ؟ نعم انتظرتك كالعادة حين كنت اول الواصلين وأول المغادرين ، لم أسمع صوتك أو ضحكتك المحببة الى نفسي ، جلت بنظري الى خارج عتبات منزلي علني أعثر على دراجتك النارية وهي واقفة في مكانها المعتاد ، انتظرتك ان تأتي اليوم وان اراك في متكأك المألوف والحميم ، لكنك يا فتى خذلتني وخذلت صديقك عبده مسعد الذي اعتدناه وأياك كفرقدين أثنين لا يبرحا فضاء إلا متقابلان .

عصر أمس الاول السبت لم أعلم انه سيكون أخر لقاء ! أخر صلاة عصر تؤديها بجواري قبل مغادرتك الى عملك في مشروع تنمية الموارد الذي ادمنت المواظبة فيه حتى في ايام الاجازة . آه يا صديقي الفائض محبة وأمل وحيوية ومرح ، فلكم نحن ندمائك بائسون كدرون وجعون برحيلك المباغت والحزين ؟ الانسان أيا كان فؤاده قويا وجلدا لتحمل مصائبه ومآسيه يبقى في النهاية انسانا عاجزا عن حبس مشاعره ودموعه ؛ فكيف بمأساة كبيرة كهذه التي أخذتك منا وانت في ريق عمرك وعطائك ودونما سبب او جُرم وجريرة مقترفة ؟

نعم ما اسهل وما ارخص الانسان في هذه البلاد ! الموت هنا سلعة بائرة رخيصة لا تستوجب غير رصاصة عبثية وغير حشوة بارود وصاعق مؤقت وحزام ناسف ، القتل في هذه البلاد هو الاصل فيما الحياة استثناء وبلا قيمة او اعتبار . عبد الحكيم ليس من الصنف الذي يستحق القتل وبتلك الصورة الهمجية الموغلة بالتوحش والبشاعة ؛ بل هو من النوع الجدير لأن يعيش بكرامة وسلام .

عبد الحكيم انسان بسيط .. موظف بأجر تعاقدي ، ورب أسرة صغيرة مكونه من طفله " أسامة " وزوجته .. شقيق محب وابن بار بوالديه .. صاحب ليس بوسعك إلا ان تصادقه ومن الوهلة الاولى التي يقابلك فيها ، في اليوم الاول لمقتله سألني عن قولة كنت قد دونتها على صفحتي في " الفيس بوك " .

بالطبع هذه المقولة المأثورة عن المأمون ومفادها ان الناس ثلاثة : فواحد كالهواء الا يستغنى عنه ، وثان ٍ كالدواء لا يُحتاج إليه إلَّا في بعض الاوقات ، وثالث كالدَّاء لا يُحتاج إليه أبداً " اضطررت تذكيره بما دونته ولاقى استحسانه ، ربما كان سيسره كثيرا لو انني صدقته قائلا : إنك يا عبدالحكيم تماثل ذاك النبع النقي الصافي المنساب الى رئتينا كذرات اوكسجين لا تدرك سوى عند فقدانها ، أنك يا صديقي خير تجسيد لقولة كولتون : الصداقة الحقيقية كالصحة الجيدة فقلما تُعرف قيمتها إلا بعد فقدها " .

قتلوك بدم بارد ، قتلوك ظلما وعدوانا ومضوا في سبيلهم ودونما يكلفوا انفسهم عناء اسعافك الى مستشفى لا يبعد سوى امتار ، لتكن قافلة اللواء قد طالها رصاص مجهول أو اعطبها انفجار إطار ؛ فهل هذا مبرر لقتلك وبتلك الطريقة البربرية التي جعلتهم يطلقون رصاصهم على عابر سبيل ومن ثم يتركونه ينزف ويفنى في العراء ؟ أظن ان اسرائيل هذه التي نلعن جرائمها صبح ومساء لا تجرؤ بارتكاب مثل هذه الجريمة النكراء المشهودة .

لكم رجوت حماة الوطن حماية ارواحنا وممتلكاتنا ومنشآتنا الحيوية وطرقاتنا لا بل وحماية جنودهم وضباطهم وسياراتهم وحتى معسكراتهم التي باتت اشبه بمعتقلات مغلقة ؟ فمع حاجتنا الملحة لقوة الدولة ولحضورها وفرض نفوذها حيال التخريب والارهاب والتقطع وسواها لم نعثر على جيشنا الجرار المستنزف لثلثي موازنة البلد .

تصوروا قائد اللواء ضبعان حبيس معسكره ، إما وإذا قدر له مرة وغادر بوابة المعسكر فعلى عربة مصفحة ! لماذا وكيف ومتى صارت وظيفة الجيش قتل الابرياء والعزل وترويع الامنين ؟ الاجابة بكل تأكيد ستجدونها لدى القادة الفاسدين الذين فشلوا عن حماية امدادات النفط والكهرباء من تخريب كلفوت وكعلان وزعيط ومن على شاكلتهم من المخربين الذين لا يتورعون عن التخريب والتقطع والخطف وغيرها من الافعال المشينة .

قتل وتقطع وحرابة وتخريب وارهاب ، ومع هول ما يحدث ومع معرفة المواطن العادي بأسماء هؤلاء القتلة والمخربين فضل الجيش الانكفاء في ثكناته ولسان حاله يردد مقولة عبد المطلب : انا لي ابلي وللكعبة رب يحميها .. في المحصلة لا الجيش صار جيشا يحمي شعبه ومقدراته أو ان الشعب سلم وأمن من شره وخطره وصواريخه ورصاصه وكلفة مرتباته وعتاده .

ختاما ؛ ينبغي القول انه ما من جريمة دون عقاب ، وإذا كان جُند القائد الهمام بهذه السوءة والهلع الذي جعلهم لا يفرقون بين مخرب عابث وبين مواطن سالك طريق ؛ فذاك أمر يتحمل وزره قائد اللواء وضباطه ، فلو انه اعطى شيئا من وقته واهتمامه لتعليم وتدريب عساكره ؛ لما كان عبد الحكيم مسجى في ثلاثة الموتى ، ولكان الآن يعبث بهاتفه الجديد ، ولكان يلهو مع اطفال الحارة ، ولكان بصحبة رفاقه رمضان وحرمل والشيخ صالح وعبد الملك وعبده ، ولكانت رصاصة الرشاش في موضعها الصحيح بدلا من يكون ضالتها خفقان قلب مترع بالحب والطيبة والتفاؤل .

لست بمقام من يودعك يا عبدالحكيم ، لكنني يا صديقي ارثيك بكلمات ممزوجة بالدمع والوجع ، ألم أعدكم اصدقائي وانت واحد منهم بإقامة اربعينية ومرثية في حال رحيل احدكم ؟ قلت لك مازحا : سأكتب مرثية فيك إما وإذا رحلت قبلك فإياك ان تقيم خيمة عزاء او تظاهرة تشييع ،انني اوفي بوعدي وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله .

لا تتوقع نتيجة مغايرة طالما وانت تكرر ذات الفعل ، هذا ما حدث بالضبط خلال الأعوام الفارطة . وهذا ما سيحدث الآن وفي المرحلة القابلة ، فلا الشرعية عادت وقادت الدولة أو أن الانتقالي استعاد دولة . لا يوجد ثمة جديد يمكنه تغيير الحالة القائمة منذ انفراط »

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء