المولد النبوي كـ (تظاهرة) سياسية!

14 - يناير - 2014 , الثلاثاء 02:28 مسائا
3526 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةعادل امين ⇐ المولد النبوي كـ (تظاهرة) سياسية!

عادل امين
يقينا ليس أحد أحق بالاحتفاء به من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس أحد أحق بالبهجة به والسرور والأنس لذكره من سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وليس أحد أحق بالتعظيم والتبجيل والحب والاتباع من هذا النبي العظيم ذي الخلق العظيم. صلى عليك الله يا علم الهدى ما هبّت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم.

ليس ثمة ما يبعث على النزاع في مسألة الاحتفال بمولده عليه الصلاة والسلام أو بهجرته طالما والقصد منه إظهار سنته واقتفاء أثره والتأسي به وأخذ العبرة والدروس من سيرته لتكون نبراس هداية وزاد لنا في الطريق إلى الله، ولنستعين بها على مواجهة مشاق الحياة، ونعمل بها لإصلاح أنفسنا ومجتمعنا وأمتنا. نحن بالفعل بحاجة لتذكر هذا النبي العظيم، ليس في المناسبات وحسب بل في كل وقت وحين، والعودة إلى معينه العذب كي ننهل منه ما يصلح شئون حياتنا. وفوق ذلك نحن مأمورون باتباع هديه وعدم مخالفته (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم). لذا فالاحتفاء بهذا النبي العظيم لا ينبغي ان يقتصر على مجرد طقوس فرائحيه وحسب، بل ينبغي ان يتعداه إلى ما هو أهم منه وهو إحياء سنته والسير على نهجه والتخلق بأخلاقه الرفيعة العظيمة التي لم يطاولها أحد قبله ولا بعده.

لم يكن من أخلاقه صلى الله عليه وسلم الازدراء بالناس والترفع عنهم أو إظهار أي ميزة عليهم رغم مكانته العالية الرفيعة، فهاهوا ذا يقول لأعرابي وقف مرتعشا أمامه "هوّن عليك فإنما أنا أبن امرأة كانت تأكل القديد بمكة". فكيف لمن يزدري الناس اليوم ويقسّمهم طبقات عليا ودنيا، ويستعلي عليهم بحسبه ونسبه ويدّعي اصطفائه عليهم أن يكون قدوتهم وإمامهم وقائدهم إلى الخير والفلاح؟

الاحتفاء بمولد النبي صلى الله عليه وسلم لا يعني بأي حال أن هذا المحتفي صار الناطق الرسمي باسمه عليه الصلاة والسلام وباسم الدين الذي بُعث به، ومن الذي خوله ذلك؟ بل من ذا الذي يجرؤا على ادعاء أمر كهذا مهما بلغ عتوه وغلوه؟ على أن المؤسف حقا أن البعض، وهو يحتفي بالمولد النبوي وبمناسبات دينية أخرى، لا يهمه من ذلك كله إلاّ أن يبدو وكيلا حصريا للرسالة السماوية وصاحب الرسالة، فيما يحرص على خلق انطباع لدى العامة بأنه الوريث الشرعي والوحيد للدين والوصي عليه، وما عداه تبع له ومحكوم بمشيئته، وهو ما يجعل من تلك الاحتفالات الدينية أشبه بالتظاهرات السياسية، إذ تبدو خاوية المعنى من أي أثر روحي أو قيمة إنسانية، في الوقت الذي تنزلق أحياناً صوب القدح بالآخرين والنيل من رموز الإسلام، والتشنيع بالمخالفين وتسفيه معتقداتهم، والانتقاص من حقهم في فهم الدين وطريقة العمل به.

والأنكأ منه، ادعاء الأحقية المطلقة بوراثة صاحب الرسالة دينيا وسياسيا، واعتبار الإسلام وكأنه دين عائلي جاء فقط ليؤسس حكم أسري عصبوي، لتغدو دولة الإسلام -تبعا لذلك- حقا حصريا وملكا خاص بالأسرة، يكفر من اعتقد خلافه، وهو الهدف البعيد الذي يرنوا إليه هؤلاء ويحاولون تمريره من خلال تلك الاحتفالات الدينية المسيسة. وما يمكن مشاهدته اليوم بوضوح هو احتفالات دينية بنكهة طائفية ونفَس عنصري بغيض، كما أن هؤلاء أحالوا مناسبات المولد النبوي وغيرها من المناسبات الدينية إلى أدوات عمل سياسي لتسويق فكرهم المنحرف وكسب الجماهير والانتشار في أوساطها وصولا للتأثير عليها ومحاولة توجيهها تاليا لخدمة مشروعهم الخاص.

المفارقة أن يحتفل البعض بمولد رسول الرحمة والسلام ويده ملطخة بدماء المسلمين، فيما مئات الآلاف منهم يعيشون ظروفا قاسية في مخيمات الإيواء نتيجة طردهم من قراهم وتدمير منازلهم على أيدي أولئك الذين ما فتئوا يتقربون إلى الله وينصرونه بقتل إخوانهم المسلمين وتشريدهم من ديارهم! فكيف يمكن لأمثال هؤلاء أن يحملوا الخير للناس وهم لا يعترفون بحقهم في الحياة إلاّ أن يكونوا خدما لهم!!

وفي الوقت الذي يتقارب فيه العالم ويغدو أشبه بقرية صغيرة يتعايش سكانها مع بعضهم ويقبل بعضهم ببعض، رغم اختلاف عقائدهم ولغاتهم وأعراقهم وثقافاتهم، وفي الوقت الذي باتوا فيه قادرين على التفاهم والتوافق والتعايش وحل خلافاتهم سلميا والوصول إلى قواسم مشتركة تضمن مصالحهم، إلاّ أن بلاد المسلمين تظل استثناء من ذلك. ففي بلاد المسلمين حيث بُعث نبي الرحمة والسلام برسالة عالمية للبشرية كافة تدعوهم إلى كلمة سواء، وتؤصل لهم حقهم في حرية الاعتقاد والعيش بسلام وأمان، وفي بلاد المسلمين التي قادت حضارة العالم لقرون، بعقيدة متسامحة ومتعايشة مع كل الملل والنحل والثقافات والأجناس والأعراق، وفي بلاد المسلمين حيث الدين واحد والنبي واحد والقبلة واحدة، لم يستطع المسلمون التصالح مع أنفسهم وتضميد جراحاتهم ونسيان خلافاتهم والعمل سوية في مواجهة عدوهم المشترك. لم يستطع المسلم تقبّل أخيه المسلم الذي يصلي بجواره في الصف، لم يستطع تقبل رأي مغاير أو فكرة مخالفة، لم يستطع بعضهم تقبل أخيه المسلم حاكما له وإن جاء عبر الإرادة الشعبية وصندوق الاقتراع إلاّ أن يكون من مذهبه وطائفته!! وفوق ذلك يجيء هؤلاء-البعض-ليحدثوك عن الثقافة القرآنية والمسيرة القرآنية التي لا تعني في الواقع سوى مسيرتهم هم نحو الحكم والسلطة والاستحواذ وإقصاء الآخر.

تلك هي مسيرتهم السياسية المتلبسة بمسوح القرآن وبالاحتفالات الدينية المسيسة، وذلك هو الخير الجزيل الذي يحمله لك مشروعهم القرآني الذي يعني صراحة أن يتقدموا هم وتتأخر أنت، أن يحكموا هم وتطيع أنت، أن يرثوا هم وتورث أنت، أن يملكوا هم وتُملَك أنت، أن يَغنَوا هم وتفقر أنت، أن يكونوا السادة هم وأنت أحد عبيدهم المسخّر لخدمتهم! هؤلاء هم منقذو الإنسانية ورسل العناية الإلهية الجدد لتحرير الانسان من عبودية الخالق إلى عبودية المخلوق ذي النسب الشريف! صلى الله عليك وسلم يا نبي الرحمة ورسول السلام ومنقذ البشرية ومخرجهم من ظلمات العبودية وقهر الانسان وكبريائه إلى رحمة الله الواسعة وعفوه وغفرانه.

حين خرج اليمنيون في ثورتهم الشعبية إلى ساحات الحرية والنضال السلمي كانوا مدركين تماما لحجم فاتورة التغيير التي سيدفعونها، وكانوا على يقين من أن التغيير الذي ينشدونه يستحق ثمنه الباهظ، فلم يظنّوا به ولم يترددوا في سداده. وكانت الدولة المدنية الحديثة »

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء