من الوجع الذي لا يموت

13 - أبريل - 2015 , الإثنين 02:26 مسائا
3449 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةوئام عبدالملك ⇐ من الوجع الذي لا يموت

وئام عبدالملك
من الوجع الذي لا يموت
وئام عبدالملك
موطني الموجوع كثيرا يتألم وأبناءه، فالشعب لم يتأوه كما ينبغي ليعتقوه، ما زالت حصته من الوجع كبيرة، ولن يلتفت إليه أحد، فالحرب تكفر بالإنسان، وتؤمن فقط بالدماء، الجراحات تنزف، واستبيح كل الوطن، وترتكب الجرائم بحق أهلينا في الجنوب وعلى وجه الخصوص في عدن، إرهاب من قبل الحوثيين وصالح يُمارس بحق كل المدنيين في كل الوطن، فأصبح لكل عائلة شهيد أو جريح أو ذكرى مفزعة، وقبل أن يكون الوطن منكوبا بالعرب، فهو منكوب بأبنائه، وليس أشد وجعا من أن يوشي بك من يخالفك في الرأي، لتكون على موعد مع الموت، أو النزوح متخفيا في أعطاف موطنك المتشرذم، وليس أشد وجعا من أن تُقدم روح المغرر بهم قربانا للكبار في سبيل الجنة التي يعدون، أو أن يكون ثمن أن تكون عبدا بعض الريالات، والحلم بامتلاك سلاح وبزة عسكرية، الوجع أكبر من أختزله بكلمات، وهو كفيل بالتهام الحياة، واختفاء بريق الحياة من أعيننا، وبذبول الابتسامة في شفاه اليمني المنكود، الذي يحاصره الموت والضياع في كل أنحاء الوطن، فوجد الكثير من أبنائه أنفسهم في وطن لا يعرفونه فغادروه، مسكونين بالوجع، بينما ما زال المئات عالقين خارج الوطن ومأساتهم أكبر، ولا أعلم إلى متى سيظل الكبار يعبثوا بحياتنا؟ وإلى متى سيعطي كل فريق الحق لنفسه بقتلنا؟
بدأت أفتش في المواقع الإلكترونية عن مخيم اليرموك ومأساته، وهو أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وصار يسكنه كذلك بعض السوريين، وأثناء تتبعي لأخبار المخيم صادفت خبر استشهاد أحد الأكاديميين الفلسطينيين الذي كان مقيما في اليمن لسنوات، وقبيل الثورة السورية 2011م بفترة وجيزة، انتقل وعائلته إلى سوريا، في رحلة التسكع في الحياة المريرة التي لا تستقر، لكن الحرب في سوريا اضطرته إلى الانتقال إلى مخيم اليرموك كغيره من فلسطينيّ الشتات، واعتقلته قوات النظام السوري، وقضى تحت التعذيب في سجون النظام السوري، وعادت إلى ذهني صور للاجئين فلسطينيين كانوا متوجهين للمخيم البعيد جدا عن الحياة، بعد أن قضوا سويعات في الأسواق لجلب حاجياتهم، كان الألم قد نزع الابتسامة من وجوههم، وآثار الحروق بادية في ملامحهم وشوهت ظاهرهم كثيرا، وبأطرافهم المبتورة كانوا بإصرار يواجهوا الحياة بكل متطلباتها، لم يبقَ أحد منهم إلا وكانت الحرب التي اضطرتهم للنزوح عن ديارهم قد تركت فيهم بعض آثارها، الوجع ملأ أرواحهم، فلم يعد للحياة أي وجود في ملامحهم وأرواحهم، معاناة ومأساة كبيرة يعيشها كل اللاجئين الفلسطينيين في شتى بقاع المعمورة، ومأساة مخيم اليرموك اليوم الواقع بأيدي تنظيم الدولة الإسلامية، ستزيد من جراحاتهم وستجعلها غائرة أكثر، فهل ظروف حياتهم كانت جيدة هناك ليذوقوا ويلات التنظيم الإرهابي؟! إن كثرة الضربات افقدتهم الشعور بالألم، وأفقدتهم الإحساس بالحياة في أحيان كثيرة، وموت من كان حيا في أذهاننا يوما قاس للغاية، ويخبئ الغد للأسف لكل إنسان نصيبه من الألم بفقدان أحدهم، في هذه الحروب التي تطال كل الحياة، ليتقاسم الألم والكثيرين ممن سبقوه إلى الوجع الذي لا يموت.
وأثناء تصفحي لمواقع أخرى، كانت ذكرى مذبحة دير ياسين تزدحم مع كل الوجع الذي تزدحم به الدول العربية، تلك المذبحة التي ارتكبتها العصابتان الإسرائيليتان شتيرن و أرجون في 9 أبريل 1948م، واستشهد جراء تلك المجزرة أكثر من 254 فلسطينيا، إذ تم إطلاق النار عليهم بشكل عشوائي، بمساعدة من قيادة الهاجاناة، و أخذوا عدداً من القرويين الأحياء بالسيارات واستعرضوهم في شوارع الأحياء اليهودية، وبثت تلك المجزرة الرعب في نفوس الفلسطيني، وكانت عاملا مهما لهجرة الفلسطينيين إلى مناطق أخرى في فلسطين ودول عربية مجاورة، ولأن بلدان عربية كثيرة تنزف، لم يعد لأولئك الأولوية لنتذكرهم، فحاضر كل عربي مفعم حتى آخره بأوجاع حية يعيش تفاصيلها، فلم يعد هناك مجال للالتفات إلى الماضي، فالذاكرة أغقت أبوابها، والروح متشضية.
ولذلك اليوم كذلك موعد مع الوجع الذي صار بعض الروح، إذ كانت ذكرى سقوط بغداد في 9 أبريل 2003م، بغداد مرثية كل الشعراء، ففي العراق دُمر كل شيء جميل، وهجر أبنائه، وقتل أحراره، وانتهك للمرة الأولى من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، واليوم يذوق أبناءه العذابات من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، ويتدمر كل شيء فيه بسبب الطائفية، اللعنة التي حلت على العراق بعبث الأيدي الخارجية التي أججتها، القبح في ذلك البلد الجميل ما زال يقضي على كل الجمال في العراق المنكوب، الجرح في العراق غائر، ولوعة العشاق للديار تقتل أكثر مما تحيي.
سيلتهي الشعراء بجراحاتنا طويلا، وعقولنا بالبحث عن الحياة التي كلما اقتربنا منها ابتعدت، وبعيدا عن تقدم العالم الذي نقتل بأسلحته نبتعد أكثر وأكثر، لقد كان الوجع هو ما جمع البلدان العربية، وأهلها إذ يلتقون في رحلة عابرة نحو الضياع.
فعذرا موطني الكلمات تخونني، فحجم الوجع أكبر من قدرتي على الاستمرار في الكتابة، وعذرا فلسطين نحن العرب والمسلمين أقوياء على الضعفاء فينا، ولا يمكن أن نقدم لك شيئا، وعليك مداواة جراحك بنفسك، وعذرا للعراق وسوريا - أيضا- فالعرب تمزقوا بين كل هذه المآسي، فإذا شفيت جراحات أراضيكن، احفظن الدواء جيدا، لنعلم كيف نتخلص من الداء الذي حل بموطني.

مشاهد من تعز التي أمعنوا في إذلالها وئام عبدالملك في أحد مداخل المدينة بتعز، وفي نقطة تفتيش أمنية، واستمرارا لمسلسل الإذلال الذي يجيدوه الحوثيين وحليفهم صالح، وبحجة تفتيش المدنيين، قاموا بتوزيع أبناء تعز في مجموعات بحسب الوزن والطول، وكأنهم »

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء

لا توجد مشاهدة

لا توجد تعليقات