الحقيقة الهاربة

24 - سبتمبر - 2013 , الثلاثاء 03:59 مسائا
4169 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةكامل يوسف ⇐ الحقيقة الهاربة

كامل يوسف
أياً كانت الجهود المحمومة التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين لتأكيد حضورها في الشارع المصري، والتي كان أحدثها محاولة الظهور في المدارس والجامعات، واستغلال هامش الحرية الذي راكمه نضال الحركة الطلابية المصرية عبر عقود طويلة من الزمن، للإيحاء بأنها لا يزال لها حضورها وتأثيرها، فإن هذا كله يقينا سيمضي إلى زوال وانحسار، لأن جماهير الشعب المصري أدركت، عبر التجربة المريرة، أن طريقها إلى المستقبل لا يمر بما يطرحه الإخوان المسلمون.
لكن هناك حقيقة يبدو أنها قد هربت في زحام الأحداث، وغابت عن أنظار الباحثين والمحللين، وسط التتابع السريع لما تشهده الساحة المصرية من أحداث.
ألمح الكاتب الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل إلى جانب من هذه الحقيقة في حديثه عن المصير الفاجع الذي انتهت إليه مكتبته النادرة، فقد كان الجوهر الرئيسي للمكتبة من وثائق وتسجيلات وأحاديث موجوداً في أوروبا، وتردد الرجل في إحضاره إلى دارته في برقاش، لأسباب عدة، من بينها الهامش الاجتماعي الهش والشائك القريب من المنطقة التي شيدت فيها هذه الدارة.
جانب من هذه الحقيقة الهاربة يطل منفلتاً كالأشباح الملتفة بالظلام، في تفاصيل اقتحام قسم شرطة كرداسة وقتل ضباطه وعناصره، حيث تتحدث التقارير عن عناصر مضت في وحشيتها إلى حد الرقص فوق الجثث، بعد سكب الأحماض الحارقة عليها.
الجانب الأكثر أهمية يبدو في تحليل دوافع الغالبية الكاسحة ممن كانوا في اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر، والذين كانوا لا يدرون أين هم، ولا إلى أين يمضون بعد انصرافهم، وقد بدا جلياً أن اجتذاب المكانين لهما عائد إلى المدفوعات النقدية اليومية، التي كانوا يتلقونها عن مجرد الوجود هناك، بينما كان شبح البطالة والافتقار إلى الخبز الكفاف يتربص بهم تحت الآفاق التي قدموا منها.
ما الذي تحدثنا به إذن هذه الحقيقة الهاربة في تجلياتها العديدة؟ أظن أنها تقول لنا بوضوح إن المعالجة الأمنية للموقف مهمة، ولكنها ليست كافية، وإن اعتماد الخطاب السياسي الواضح والمحدد مع الجماهير، وخاصة في صعيد مصر وفي ريفها بعامة مهم أيضاً وحتمي، ولكنه أيضاً يظل جزءاً من الحل.
أحسب أن التصدي لهذه الحقيقة الهاربة، بالتغيير الإيجابي لواقع الفئات المهمشة والأكثر تعرضاً للضغوط، هو الواجب الأولي والحتمي للحكومة المصرية، حتى وإن كانت مؤقتة أو انتقالية.
ومن المؤكد أن اعتماد الحد الأدنى للأجور وتحويله إلى واقع مؤثر في حياة الناس، هو نقطة البداية التي يليها مشوار طويل، يصب في جعل العدالة الاجتماعية واقعاً يعاش، لا شعاراً يرفع.
لقد حالت معجزة ما دون انفجار حزام البؤس المحيط بالمدن المصرية، حتى الآن، لكننا لا ينبغي أن نراهن على استمرار هذه المعجزة، وإنما ينبغي البدء الآن، وليس غداً، في مرحلة البناء والتنمية الكفيلة بانخراط الملايين في العمل، وليس في السخط والتعبير عنه.
نقلاً عن "البيان" الإماراتية

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء