كيف يدفع «حزب الله» نحو إذلال لاجئي «عرسال الحدودية» لإعادتهم لسوريا؟

03 - يوليو - 2017 , الإثنين 03:06 مسائا (GMT)
الضالع نيوز-ميرفت عوف-ساسه بوست


تتابع نشر عشرات الصور الفوتوغرافية التي تُظهر منطقة عرسال الحدودية وكأنها ساحة حرب كبيرة، عشراتٌ من رجال المنطقة، وهم لاجئون سوريين طُرِحوا أرضًا على حصى المنطقة الحار جدًا، قُيّدوا من الأيدي للخلف، وكُبّت وجوههم على التراب، آخرون جلسوا نصف عراة؛ ليظهر الضرب الوحشيّ على أجسادهم، والكلمات المهينة التي كتبت على أجسادهم.

أما بين أزقّة المخيم، فقد ظهرت آثار التخريب في خيم اللاجئين المتهالكة جرّاء المداهمات، تناثر أثاث الفقراء في كل مكان، وقد ذعر الأطفال والنساء من كل تحركات الجيش اللبناني في هذه الحملة، تُظهر الصور انتهاكات واضحة تخترق لمواثيق الإنسانية ومواثيق الأمم المتحدة، نفذتها قوات تابعة للفيلق الثامن التابع للجيش اللبناني مع ميليشيا حزب الله لمخيمات اللاجئين السوريين في عرسال.

كيف قتل 19 لاجئًا سوريًا في منطقة عرسال الحدودية؟

صباح فجر يوم الجمعة، 30 يونيو (حزيران) الماضي، اقتحم عناصر من «الفوج المجوقل» التابع للجيش اللبناني وعناصر من ميليشيا حزب الله كلًا من مخيم النور ومخيم قارية الواقعين في منطقة عرسال الحدودية، بدأت الحملة باعتقالاتٍ ربما اعتقد سكّان المخيم أنها كالاعتقالات السابقة المعتادة، إلا أنَّه سرعان ما أقدمت هذه العناصر على تفجير الخيام التي لا يفتح بابها أحد، كان يتم هذا التفجير بالقنابل اليدوية، لتقوم هذه العناصر بعد ذلك بدهس الغرف بالعربات العسكرية، دون مراعاة لوجود المدنيين فيها من عدمه، وهو ما أدَّي لاستشهاد فتاةٍ صغيرة من بلدة رأس المعرة بعد سقوط الغرفة على رأسها، بينما قتل 18 لاجئًا بسبب رمي القنابل داخل الخيام وتمشيطها بالسلاح، أو بسبب ما أسماه الجيش اللبناني «التفجير الانتحاري».


سوريون من عرسال محتجزون في حافلة عسكرية

المصادر الحقوقية تمكّنت من توثيق اعتقال 337 شخصٍ من المخيّمات من قبل الجيش اللبناني، قالت المصادر الرسمية اللبنانية: إنّ هذه الاعتقالات جاءت في إطار البحث عن من له علاقة بالتفجيرات الانتحارية، حيث أعلن الجيش اللبناني تعرُّضه لهجمات عناصر من تنظيم الدولة بعد تفجير خمسة انتحاريين أنفسهم أثناء مداهمات الجيش، وجاء في بيان الجيش اللبناني أنّ «خمسة انتحاريين هاجموا جنوده أثناء مداهمة القوات لاثنين من مخيمات اللاجئين السوريين
في منطقة عرسال على الحدود مع سوريا، فيما ألقى متشدد سادس قنبلة يدوية على دورية».


احتجاز عشرات من السوريين في ظروف مهينة (المصدر: نشطاء)

وبدت حجة الجيش اللبناني – بأنّ فرضية البحث عن عناصر إرهابية هي سبب هذه العملية – ضعيفة، ويستبعد «نبيل الحلبي» رئيس مؤسسة «لايف» للديمقراطية وحقوق الإنسان دخول الانتحاريين إلى مخيمات عرسال في حين أنّ المدينة مطوّقة بحواجز من الجيش اللبناني، وتمارس عليها إجراءات تفتيشية دقيقة، مضيفًا للقدس العربي: «عناصر الجيش قاموا برمي القنابل داخل الخيم وتمشيطها بالرصاص، البعض لم يستطع الخروج؛ فقتل! وهناك 150 معتقلٍ تعرضوا لضرب مبرح، وأوضاع بعضهم تحتاج إلى مستشفيات».


يذكر أن مخيمات عرسال الحدودية هي أكبر تجمع للاجئين السوريين في لبنان، تقع على ارتفاع يتراوح بين 1400 إلى ألفي متر عن سطح البحر، ويتألّف من 117 مخيمٍ، يحتضن ما يقارب 100 ألف لاجئ، غالبيتهم من حمص وريفها ومدن القلمون وقراها.

«حزب الله».. يحسم أمر الحدود اللبنانية – السورية بتفريغ اللاجئين منها

لم تتوانَ ميلشيا «حزب الله» اللبناني عن الإشادة بعمليّة الجيش اللبناني في منطقة عرسال، معتبرة إياها نجاحًا استكمل جهود مقاتلي الحزب على الحدود الشرقية لمنع أية عمليات تسلل، وقد شاركت عناصر الحزب في الحملة كما أسلفنا. وقال «حزب الله» في بيان الإشادة بالعملية: إنّ «العملية الجديدة تأتي استكمالًا للجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية اللبنانية للتعامل مع التهديد الإرهابي والقضاء على المجموعات الإرهابية المتغلغلة في العديد من الأماكن، كما تتكامل هذه العملية مع عمليات المقاومين على الحدود الشرقية لمنع الإرهابيين المسلحين من التغلغل في الأراضي اللبنانية وطردهم منها».


قتلى من اللاجئين السوريين في عرسال (المصدر: موقع المدن اللبناني)

ويسعى «حزب الله» – الذي سرَّب إعلامه قبل أيام حملة أطلق عليها «تطهير جرد عرسال من الإرهابيين» – لحسم وضع الحدود اللبنانية – السورية في منطقة جرود عرسال، بدافع منع سيطرة «تنظيم الدولة» و«جبهة النصرة» أو التصدي للتهديد الذي يمثله المقاتلون الذين يتسللون من سوريا على الجانب الآخر من الحدود، حيث تؤكد مصادر لبنانية أن هناك قرارًا من الحزب بحسم أمر الحدود قبل نهاية الصيف، بحيث تصبح الحدود اللبنانية – السورية من البحر حتى الجنوب تحت سيطرة النظام السوري وحلفائه، ولذلك يدعم الحزب كل عمل يهدف لإفراغ مخيمات السوريين الحدودية، ويدفع بموافقة النظام السوري لتقديم تسهيلات لمن يعود إلى مناطق النظام، كضمان العفو العام عنهم وتخفيف الإجراءات الأمنية، وتسيير الأمور المتعلقة بالخدمة العسكرية الإلزامية، وقد قالها الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في خطابه الأخير، إنه «مستعد للتوسط مع النظام السوري؛ كي ينسحب مسلحون من جرود عرسال».



وقد أعلن حزب الله في مايو (أيار) الماضي عن تفكيك وحداته العسكرية على الحدود السورية، وينقل موقع «المدن» اللبناني عن قيادي معارض في القلمون القول: إنّ «حزب الله يراوغ ويتحايل على الجميع بكلامه عن انسحاب من سلسلة الجبال التي لم تعد تشكل عليه أي خطر من الجانب السوري، إذ لم يعد هناك أي وجود للثوار فيها»، موضحًا أنّ «عناصر الحزب سيبقون بشكلٍ محدود في الزبداني ومضايا وجرد رنكوس. وتعتبر المعارضة السورية في القلمون أن حزب الله أراد الانسحاب من بعض المواقع المكشوفة وتغيير مواقعه خشية ضربة أمريكية مرتقبة، وللقول إنه لم يعد موجودًا هناك، بل إن هناك سوريين شيعة وعلويين في تلك المنطقة، بالإضافة إلى من تبقى ما أهالي تلك القرى».

لماذا يريد النظام السوري إعادة اللاجئين من لبنان إلى مناطق سيطرته؟

«قالوا لنا: جهزوا أنفسكم واتكلوا على الله؛ لكن من عادوا في القافلة الأولى معظمهم من العجزة، وممن يعانون الفقر المدقع في مخيمات النزوح، ومن غير المطلوبين للخدمة العسكرية في الجيش السوري، على الرغم من التطمينات التي أعطيت لنا، وقيل لنا: إن 70 % من منازل البلدة لم تزل سليمة»، جزء مما قاله اللاجئ السوري في بلدة عرسال اللبنانية، عمر محمد، بعد أن تخلّف عن العودة لبلدته في منطقة القلمون السورية مع الدفعة الأولى، تلك الدفعة التي عادت بعد اتفاق تم بين النظام السوري و«حزب الله» والجيش اللبناني، ونفذت في العاشر من يونيو (حزيران) الماضي.


المحاولات الحيثية السابقة لإعادة هؤلاء اللاجئين لمناطق سيطرة النظام السوري، جعلت واحدة من أهم أسباب حملة الجيش اللبناني على مخيمات السوريين في لبنان، هو فشل استئناف المفاوضات بين حزب الله وبعض الفصائل في القلمون، الهادفة لعودة النازحين لمناطقهم الواقعة تحت سيطرة النظام، إذ يبدو أن مخططات حزب الله والنظام السوري في إعادة المزيد من لاجئي منطقة عرسال اللبنانية إلى قراهم في القلمون الغربي بريف دمشق الشمالي – المنطقة التي تسيطر عليها ميليشيا حزب الله اللبناني والنظام السوري منذ سنوات – انتابها بعض المعيقات التي أحبطت هدف النظام والحزب.

لم تتحدّث المعارضة السورية كثيرًا عن عمليات العودة، بينما كان الحديث أكثر للنظام وحلفائه، فقناة «الميادين» التابعة لإيران قالت: إنّ هناك عودة 450 عائلة نازحة إلى بلدة عسال الورد السورية، خلال الفترة القادمة، وذلك في إطار مشروع «المصالحة الوطنية» كما أسمتها، أما النظام السوري الذي قام تلفزيونه الرسمي، ومركز بلدية عسال الورد بانتظار العائدين في احتفالية إعلامية، فقد استغل عودة هؤلاء لترسيخ مفهوم «الأمن والأمان والسلامة لمن لم تتلطخ أيديهم بالدماء».




وفيما كان هدف الحملة وضع اللاجئين بين خيارين إما العودة بشروط النظام أو البقاء ضمن حياة جحيمية، فإن نحو 100 ألف لاجئ سوري في مخيمات منظّمة داخل عرسال وأخرى عشوائية في جرودها يدركون الآن خطورة أوضاعهم في لبنان، ويفند الصحافي السوري المقيم في لبنان «أحمد القصير» في بداية حديثه لـ«ساسة بوست» حقيقة وجود أي تفجير انتحاري في العملية الأخيرة، ويرى أنّه لو وقعت خمسة انفجارات انتحارية كما أشيع في مخيم مكتظ باللاجئين مبني من خيام القماش؛ لوقعت مجازر في هذا المكان.

ويشدِّد «القصير» على أن هناك «محاولات لإقناع الناس بالعودة إلى مناطق النظام السوري، ولذلك كانت هذه العملية لإذلال الناس، ومن ثمّ دفعهم نحو ترك المكان، وتقبل أي شروط للعودة، ولكسر منطقة عرسال التي تعتبر شوكة في المشروع الإيراني في المنطقة».

من جانبه، يقول القيادي في قاطع القلمون التابع لـ«حركة أحرار الشام الإسلامية» أبو البراء زعتر: «النظام وضع بضعة شروطًا غير معلنة حتى اللحظة في بلدات القلمون الغربي، التي شهدت عودة سكانها إليها بعد أكثر من 3 سنوات من النزوح، أهمّها تطوع شبان تلك البلدات في صفوف الدفاع الوطني وتسليم من عليه (فيش أمني) نفسه للنظام السوري لتسوية وضعه، مقابل الإفراج عن معتقلي تلك البلدات تدريجيًا وعلى دفعات بحسب الجرائم المنسوبة إليهم»، مضيفًا في حديثه لـ«عربي21»: «عودة دفعة من النازحين في لبنان ستدفع بدفعاتٍ أخرى للعودة والقبول بشروط النظام وستعود تلك البلدات مأهولة من جديد، لاسيما في ظل الأوضاع الإنسانية السيئة التي يعاني منها اللاجئون السوريون في لبنان».
جميع الحقوق محفوظة لموقع الضالع نيوز © 2013© تصميم و إستضافة MakeSolution.com