اليمن..السقوط أم الانتفاشة؟

08 - نوفمبر - 2014 , السبت 02:28 مسائا
3827 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةيحيى الثلايا ⇐ اليمن..السقوط أم الانتفاشة؟

لم يكن سقوط صنعاء بيد جماعة الحوثي في 21 سبتمبر الماضي وليد لحظته، بل سبقته عدة تحركات وأحداث يمكن القول: إنها تعود إلى عام 2011م؛ أي منذ بدأت الجماعة المسلحة تمددها المسلح في المناطق الشمالية من البلاد وحروبها التوسعية، مستغلة الانقسام والفراغ الناتج عن الثورة الشعبية التي شهدها اليمن مطلع عام 2011م؛ حيث بدأت الجماعة توسعها بإسقاط محافظة صعدة، وتنصيب أحد تجّار السلاح محافظاً لها، ثم استمرت في الحروب التوسعية في مناطق وأرياف المحافظات المجاورة لها مثل حجة والجوف وعمران.

كل تلك الحروب التوسعية كانت تتم في محافظات ومناطق بعيدة نوعاً ما عن عاصمة البلاد صنعاء؛ وربما لأن السلطة الجديدة التي حكمت صنعاء لعدم بلوغها أصوات المدافع الخمينية – في نسخة عربية يمنية – لم تشعر بالخطر تجاه تلك المواجهات، وظلت تدير لها ظهرها، أو تقوم بدور الوسيط في أفضل الأحوال، رغم التحذيرات والنداءات المتكررة من خطورة الوضع، ويمكن القول: إن الخطر الكبير الذي داهم صنعاء كان مع سقوط محافظة عمران كلياً بيد جماعة الحوثي في شهر رمضان الماضي، بعد حصار خانق ومواجهات عنيفة استمرت لشهور، وانتهت بسقوط المحافظة ومؤسساتها الرسمية، وسيطرة مسلحي الحوثي على الوحدات العسكرية المرابطة في عمران، واستشهاد قائد اللواء الجنرال حميد القشيبي أحد أبرز قادة الجيش اليمني الذين انشقوا عن نظام «علي صالح» وأعلنوا تأييدهم لثورة شباب اليمن في 21 مارس 2011م.

سقوط عمران بيد الجماعة المسلحة وهي لا تبعد عن العاصمة أكثر من 50 كم شمالاً، كان زلزالاً شهده اليمن، وغير متوقع لدى الغالبية من الناس، وما كان ليحصل لولا سوء تصرف ومسؤولية القيادة اليمنية السياسية والعسكرية مع الأمر؛ حيث يتفق الجميع أن خذلاناً وتواطؤاً مكشوفاً – لأسباب غير مبررة ولا معلنة – تعرضت له الوحدات العسكرية والسلطة المحلية في عمران من قبل القيادة المركزية للبلاد، انتهت بسقوط أحد أهم ألوية الجيش اليمني ومقتل قائده، وتمكن مليشيات مسلحة من السيطرة على المحافظة الأهم في شمال العاصمة وبوابتها ونقطة أمنها الإستراتيجي.

ورغم تباين التبريرات أو التفسيرات، فإن الكل اتفق على أن سقوط عمران كان كارثة بمن فيهم الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي»، ووزير دفاعه، المتهمان بالتقصير والخذلان، وظن الجميع أن هناك خطوات جادة لحل جذري للإشكال الكارثي ووقف تمدد هذا الخطر نحو العاصمة، خصوصاً أن التبريرات التي كانت تقول: إن أطرافاً سياسية حاكمة بينها الرئيس ذاته راق لها إضعاف قوى سياسية واجتماعية فاعلة في الشأن المحلي؛ خوفاً من طموحها السياسي، واتساقاً مع توجهات إقليمية ودولية لتحجيم حضور بعض القوى الإسلامية الفاعلة، كما هي الحال مع «التجمع اليمني للإصلاح» الحزب الإسلامي الأبرز في البلاد، والذي تعتبر محافظة عمران معقلاً تاريخياً لكوادره وبعض قياداته.

وفقاً لمعايير القوة السياسية والعسكرية أيضاً، فقد كان الرئيس اليمني يمتلك الأدوات التي تؤهله لوقف زحف جماعة الحوثي، ويحظى بدعم إقليمي ودولي كبير يخول له ذلك، وكان هذا المتوقع، إلى أن أعلنت جماعة الحوثي لاحقاً بدء مرحلة تصعيد وحصار مسلح استهدف العاصمة صنعاء في ضواحيها؛ تحت ذريعة رفض قرار اتخذه الرئيس اليمني بتحرير أسعار المشتقات النفطية.

إلا أن الرئيس اليمني وفريقه الفاعل تعامل مع الأمر بنفس تعامله مع تجربة عمران إلا من بعض التصريحات الإعلامية والخطابات، وفيما ظل الحوثي يستكمل ترتيبات إسقاط العاصمة اليمنية، فإن التفاهمات والتنسيقات غير المعلنة ظلت مستمرة بين المسلحين والرئيس ووزير الدفاع اليمني.

في الأيام الأخيرة، شهدت العاصمة صنعاء مواجهات متفرقة بين مسلحي الحوثي وبعض وحدات الجيش اليمني التي أيّدت الثورة في 2011م، وهي الفرقة المدرعة التي كان يقودها الجنرال الأبرز في اليمن علي محسن الأحمر الذي أزاحه الرئيس اليمني في وقت سابق من موقعه وعيَّنه مستشاراً له بطلب من الجماعة الحوثية، ووفقاً للمعلومات، فقد أصر الرئيس الانتقالي على عودة اللواء الأحمر لموقع قيادة العمليات رغم وجود قائد آخر، وطلب من القوى الشعبية والسياسية الاصطفاف معه لمواجهة الخطر المحيط بصنعاء، وأهمها حزب تجمع الإصلاح القوة الأبرز في البلاد، وكذا تم استهداف الوحدات العسكرية المكلفة بحماية التلفزيون الرسمي اليمني الذي تم إيقاف بثه والسيطرة عليه؛ لما يمثله من رسالة معنوية تسوّق انتصار الجماعة المسلحة.

ومع اشتداد المواجهات في الساعات الأخيرة، تؤكد مصادر عسكرية وسياسية أن الرئيس الانتقالي ووزير دفاعه وجّها الوحدات العسكرية والأمنية نحو التزام الصمت، وعدم التدخل لنجدة زملائهم في الفرقة المدرعة، كما تجاهل مطالبات متكررة من الجنرال الأحمر للتدخل وتوجيه وحدات الجيش البرية والجوية للدفاع عن صنعاء.

وفقاً للتحليلات؛ هنا فقط أدرك الجنرال الأحمر وحزب تجمع الإصلاح – أو ربما تيقنوا – أن الرئيس «هادي» شريك مع الحوثيين في خطة هدفها تصفية قوى سياسية ووحدات عسكرية معينة، فتم الإيعاز للمتطوعين الشعبيين بالانسحاب من مواقعهم، كما مورست ضغوط على الجنرال الأحمر ليغادر مقر قيادة المنطقة العسكرية مع من تبقى حوله؛ تجنباً لفتنة وحرب أهلية، وتفويتاً للفرصة على الراغبين في استمرار المواجهات في البلاد، وغادر موقع القيادة ظهيرة 21 سبتمبر الماضي، وبعدها تم التأكد من مغادرته البلاد نحو الجارة السعودية.

تم اقتحام مقر قيادة المنطقة العسكرية السادسة – الفرقة المدرعة – في نفس اليوم، كما امتدت عمليات النهب والاقتحام لأغلب مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وتم رفع شعارات الجماعة المتمردة على مكتب القيادة العليا للجيش اليمني وفي المعسكرات، وغادرت الوحدات الأمنية والعسكرية مواقعها بأوامر من الرئيس اليمني ومساعديه لتحل محلهم الفوضى والمليشيات، وكان الشارع اليمني يمر بساعات سوداء غير معهودة في تاريخه وهو يشاهد المسلحين ينهبون الدبابات والمدفعية ويقودونها في شوارع صنعاء بطريقة أكدت للمواطن اليمني فقط قناعته عن سوء وضعف وخيانة الرئيس الانتقالي وطاقمه.
الناس.. هل يبكون دولتهم أم سوء اختيارهم؟

وحده زعيم الجماعة المتمردة عبدالملك الحوثي خرج محتفياً بالنصر في خطاب تلفزيوني من منطقة صعدة، متوعداً ومواعداً، وعناصره ليلة السقوط تشعل سماء صنعاء بالألعاب والأعيرة النارية؛ ابتهاجاً بسقوط صنعاء وانكسارها المؤلم.

كل اليمنيين ندبوا حظهم حينها، وندموا على اللحظة التي قرروا فيها التوافق على تسليم حكم بلادهم لأضعف من فيهم، إذ إن كل الفرقاء وافقوا في عام 2011م على انتخاب «هادي» – الذي كان نائباً بلا صلاحيات للرئيس السابق «صالح» – ولم يعترض إلا جماعة الحوثي التي سلّم لها صنعاء مؤخراً.

المجتمع الدولي.. وعين الرضا!

طوال الفترة الماضية، ظل اليمن تحت مقصلة الرقابة الدولية والتدخل الدولي السافر في كل شؤون البلاد؛ كالحوار الوطني، وقرارات هيكلة الجيش، وبناء الدولة، وصياغة الدستور، وصدر أكثر من قرار وبيان عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وصولاً إلى إصدار قرار أممي يؤكد أن المجتمع الدولي سيدرج معرقلي التسوية السياسية في اليمن ضمن عقوبات «البند السابع» من ميثاق الأمم المتحدة.

ظل الحوثي يتوسع، وظلت السفارات الراعية للمبادرة بصنعاء تعرب فقط عن قلقها، والهيئات الدولية تكتفي بالتحذير من انزلاق الأمور في اليمن وصولاً إلى سقوط صنعاء!

وشهدت صنعاء الأحداث الأخيرة، وتفاجأ اليمنيون والعالم أن كل السفارات في صنعاء لم يهتز لها رمش عين تجاه سقوط عاصمة دولة بيد مليشيا تزعم أنها عدوة للغرب والإقليم، رغم أن اليمنيين تعودوا أن تقفل هذه السفارات أبوابها بمجرد هاجس خطر أو اتصال كاذب من كابينة في شوارع صنعاء؛ ما جعل اليمنيين على قناعة أن المجتمع الدولي كان شريكاً وراضياً بما حصل كجزء من مشروعه الهادف لإسقاط «الربيع العربي» وإحراق القوى التي حملته.

وحدها إيران خرجت تتباهى بانتصارها الكبير في اليمن، وتعتبره خطوة مهمة في مسيرتها الثورية، وتوجه رسائل مغرورة للإقليم، تزامناً مع أحاديث نشطاء وقيادات الحوثيين عن تصعيد يستهدف الجارة السعودية، وتنفيذ فعاليات احتجاجية أمام السفارة السعودية بصنعاء.

كانت سفارة دولة الكويت الشقيقة بصنعاء هي السفارة الوحيدة التي أقفلت أبوابها وغادرت بعثتها الدبلوماسية صنعاء إبان الأحداث؛ ربما لإدراكها الخطر، وهو موقف عربي ودبلوماسي يتسق مع الحدث ويرتقي إلى استيعابه.

مؤخراً صدرت تصريحات عن مسؤولين مصريين، وتبنت وسائل إعلامية مصرية حملات تكشف غضب وانزعاج مصر من خطورة أطماع إيران في السيطرة على المنفذ الجنوبي للبحر الأحمر «باب المندب»، وهو – لاشك – اعتراف بخطورة ما جرى في اليمن وتأثيره على مستقبل المنطقة.

اتفاق الشراكة يعمق الكارثة

من المفارقات الغريبة التي تزامنت مع كارثة سقوط صنعاء، أن اتفاقاً تم توقيعه في دار الرئاسة اليمنية بصنعاء عشاء يوم السقوط، تم تسميته «اتفاق السلم والشراكة» برعاية الأمم المتحدة، وبحضور الرئيس اليمني، وتوقيع ممثلين عن القوى السياسية والحوثيين.

في الحقيقة لم يكن اتفاق سلم وشراكة، بل كان وثيقة اعتراف بوضع جديد أملته شروط المنتصر أو حلفاء السقوط، وهم جماعة الحوثي القادمة من أقصى الشمال، والرئيس اليمني الذي أصبحت سلطته لا تتجاوز داره الذي حكى البعض أنه أصبح واقعاً تحت الإقامة الجبرية.

رغم ما في الاتفاق، فإنه لم يتم الالتزام بشيء من مضمونه حتى اليوم، فيما عدا النقطة التي قضت بتعيين ممثل عن جماعة الحوثي مستشاراً للرئيس اليمني.

الاتفاق الذي حدد مهلة ثلاثة أيام لتسمية رئيس حكومة جديدة، وشهر لتشكيلها و15 يوماً لإعادة تشكيل الغرفة التشريعية الثانية ورفع المسلحين وإعادة السلاح لم ينفذ منه شيء على الإطلاق، بل طرأت أزمة بين الحلفاء إثر تسمية رئيس للحكومة اليمنية، اعترض عليه الحوثيون فجأة، ليتم بعدها تعيين شخصية أخرى قبلت بها الجماعة الحوثية.

محللون سياسيون رأوا في الاتفاق الجديد انقلاباً على التسوية السياسية و«المبادرة الخليجية» التي تحكم اليمن منذ عام 2011م، بل قالها كثير من قيادات الحوثي بوضوح، لكن ورغم ذلك فالتلكؤ الواضح في تنفيذ الاتفاق من حلفائه جعل بعض المراقبين يتخوفون من صعوبة صمود الاتفاق؛ ما يجعل اليمن متجهاً من جديد إلى المجهول والأسوأ

القيل اليماني والمحارب والمثقف والمناضل الذي تحمل كثيرا من الفجور في الخصومة والتدليس يستشهد اليوم في ميادين النار وكان بإمكانه تجنبها والابتعاد عنها لألف سبب وسبب. عبدالله الحاضري الذي يناضل رغما عن كل أكاذيب وأحقاد السلاليين والانتهازيين التي وقع في مستنقعها بعض الطيبين والمخلصين، لم يفارق عمله تتمة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء

لا توجد مشاهدة

لا توجد تعليقات