الزبيري: ثائر الشعر وشاعر الثورة

29 - مارس - 2015 , الأحد 08:49 مسائا
5521 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةفكر و ثقافة ⇐ الزبيري: ثائر الشعر وشاعر الثورة

الضالع نيوز/رياض المسيبلي

خرجنا من السجن شمّ الأنوف كما تخرج الأسْد من غابها

نمر على شفرات السيوف ونأتـي المنـيّـة من بابـهـا

ونأبى الحياة إذا دُنّست بعسف الطغاة وإرهابـها[1]

هكذا سمت الكلمة عند الزبيري وأصبحت أبياته هذه شعارًا لكل من سمت نفسه وتحررت من قيود الاستبداد. إنّ حظوظ الأوطان تلقي بظلالها على أبنائها، ولعل الزبيري غاب كحظ اليمن الذي لا يُذكر إلا في أخبار النكبات. ولكن، يمن الزبيري كان ممزوجًا بدمه، وهذا يكفيه ويكفينا.

نشأ الزبيري تحت حكم الإمامة التي أضفت على اليمن من التشيّع ما جعل صخوره تكاد تتشيّع، كما عبّر الزبيري في إحدى مدائحه الأولى للإمام. ولكن، نفس الزبيري كانت فوق أثقال التاريخ والعقائد. فهذا العظيم الصنعاني كان أبيًّا إباء مدينته، وكان فنه الشعري ينتسب إلى صنعاء التي (حوت كل فن). رفض عقل الزبيري واقع وطنه حينها، ولم تكن تصوّرات الزيدية عن محاربة الحاكم الظالم، والتي كانت حبيسة الكتب، سوى إذعان لرداءة حال السلطة التي لم تستطع تلك النصوص الحد من جورها وجنونها. لقد رأى شاعرنا يمنه:

جهل وأمراض وظلم فادح ومخافة ومجاعة وإمامُ

والناس بين مكبّل في رجله قيدٌ وفي فمه البليغ لجامُ[2]

لم يكن الشعر عند الزبيري سوى نضال حقيقي؛ فلم يكن لديه من عبث الأوقات ما يمكن لقصيدته أن تكون شيئًا آخر سوى رصاصة تتجه صوب الاستبداد. حمل الزبيري قصيدته وجابه الإمامة وتشرّد جرّاء ذلك من عدن إلى باكستان ومصر. للكلمة قدسيتها عند الزبيري؛ فليست اللغة عنده صفًّا لكلمات باهتة، ولم يكن الشعر لديه وسادة حلم حبيس الليل والكرى. لقد تقلّد الشعر وأشهر قصيدته في وجه الطغيان.

رأى الزبيري انهيار آماله في تأسيس دولة يمنية حقيقية مع انهيار ثورة 1948، ولكن روح الشاعر الثائر لم تسكن عند أوّل انتكاسة. كان يعلم أنّ تاريخ اليمن مليء بالانتكاسات والانتصارات على حد سواء، وأنّ الصمت هو مقبرة اليمني، فأطلق لأبياته العنان تصدح بآمال اليمنيين وآلامهم التي مزّق وجعها قلبه النابض بحبهم.

سجّل مكانك في التاريخ يا قلمُ فهاهنا تُبعث الأجيال والأممُ[1]

هنا القلوب الأبيّات التي اتحدت هنا الحنان هنا القربى هنا الرَّحِمُ[3]

لقد كتب البردوني عن الزبيري وشعره قائلًا: “حب الإجادة مطبوع في نفسه كشاعر يحب إذا قال أن يقال أبدعت، وهذه من علامات الشعراء الذين يملكون الكلمة”[4] ولكنني أقول إنّ حب الإجادة كان مطبوعًا في نفسه (كإنسان). وربما كانت هذه الإجادة سببًا في نبذ عالم السياسة له؛ فالسياسة التي ترضى بأنصاف الحلول لا تقبل رجلًا مخلصًا وصادقًا مثل الزبيري. ولكن، سحر وصف البردوني للرجل كان في تعبيره الأخّاذ (يملكون الكلمة). لقد كانت الكلمة حيّة في قلم الزبيري، كان يستنطق فيها روحها، يجعل منها نارًا على الطغيان، ونورًا يضيء درب المسير إلى (يمن) يتنفّس الحريّة.

كان من شأن الشعر أن يجعل من الزبيري حالمًا يسافر على سحابة من الأمل الكاذب، كان من حق الأدب أن يعلو به بعيدًا عن هذه الأرض، يتمتّع بعبق الكلمات وخدرها. كان بإمكان الزبيري حبس نضاله في بحور الخليل، ولتحفظ قصائده أو تنشدها حناجر اليمنيين يومًا ما. فكم من الشعراء ناضلوا بالقوافي واكتفوا بأبياتهم تسافر في أرجاء هذه الأوطان العربية المنكوبة. وكم من الأدباء جاهدوا من وراء الصفحات، يسوّدونها رغم أنف أبي تمّام، ويصبحون منجّمين لغد شعوبهم دون أن يعلو أصابعهم شيء سوى وهج المداد. لكنّ الزبيري حلّق بالشعر وراء العزلة الخادعة التي غرق فيها غيره، وأنشد نضاله بين الناس وهمومهم وعجن القصيدة بها. كان الزبيري مخلصًا وعمليًا إلى حد أنّه كان يتضرّع إلى الله بألّا ينتهي الطغاة بمصيبة سماوية تنزل عليهم؛ بل كان يسأل الله “أن يبعث الكرامة النائمة في نفس الشعب، وأن يفجّر الثورة من أعماقه.”[5] هكذا كان يريد للتغيير أن يتّقد؛ فما بدأ من أوساط الشعوب لا ينتهي إلا إليهم.

ليس الحديث عن الزبيري اليوم أو تذكّره عبثًا من القول؛ فآلام اليمنيين التي مزقت قلوبهم بالأمس تتجدد مع هذا العبث والجنون الذي يشهده يمننا طوال الخمسين سنة الماضية، وصار لهذا العبث اليوم أنصار يذبحون الوطن في كل لحظة. ربما كانت الرصاصة الغادرة التي اختطفته راحة له من أن يرى كيف عبث الفاسدون بهذا الوطن. كيف بُعثت دعوات الطبقية التي أودت باليمنيين طوال تاريخهم لتمزقهم شرّ ممزّق. كيف انتظر اليمنيون ذاك اليوم الذي صدح به الزبيري بأنّه لم يكن صنيعة شمس تغادر من تعلّق بأطرافها… (بل صنعناه بأيدينا).

أرادوا خطف ذاك اليوم يا سيّدي

أرادوا اغتياله كما اغتالوك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر

[1] محمد محمود الزبيري، الأعمال الشعرية الكاملة. صنعاء: وزارة الثقافة والسياحة، 2004. ص 220.

[2] الزبيري، 230.

[3] الزبيري، 296.

[4]عبد الله البردوني، رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه. دمشق: دار الفكر، 1995. ص 138.

[5] الزبيري، 136.

*عام على رحيل رائد النشيد الإسلامي* *رضوان خليل (أبو مازن)* الضالع نيوز - خاص - فؤاد مسعد النور ملء عيوني والحور ملك يميني وكالملاك أغني في جنةٍ وعيونِ في القاهرة قضى رائد النشيد الإسلامي سنواته الأخيرة حتى وفاته في الـ15 مارس 2023، عن عمر ناهز 70 عاماً، تاركاً أثراً خالداً من تتمة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء

لا توجد مشاهدة

لا توجد تعليقات