وداعا صخر مرحبا صخر

16 - يونيو - 2014 , الإثنين 09:28 مسائا
4044 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةمروان الغفوري ⇐ وداعا صخر مرحبا صخر

مروان الغفوري
.

مروان الغفوري
ــــــــ

ينتمي صخر الوجيه إلى تهامة. هذه مشكلته المركزية، كما يبدو. فهو شجاع بخلاف التوقعات الآلية: أن تكون تهامياً عليك أن تحترم قواعد أهل الجبل. رغم إنه غير مسنود بأي قوة على الأرض: مالية، دينية، اجتماعية، أو حزبية، إلا أنه استطاع أن يخترق المركز ويخنق الجميع. هو مواطن شائع ينتمي إلى جغرافيا لا يسمح لها بإنتاج الأبطال. كان متوقعاً أن الوجيه سيغادر وزارة المالية في وقت قريب. فهذه الوزارة كانت على الدوام صرّة السفهاء.

ينتمي الوجيه إلى الطبقة المتوسّطة في تهامة، وهي طبقة رفيعة دخلت على الدوام ضمن تلك الظاهرة التي أطلق عليها جان بول سارتر "الكلية المجزّأة". فوجود طبقة عليا صلبة منع على الدوام تشكيل طبقة متوسطة صلبة. إذ فتحت قنوات اتصال مستمرة عملت على شفط الطبقة الوسطى إلى الأعلى حائلة دون تشكلها كطبقة كلية متماسكة وصلبة. كما عملت ظاهرة "الكلية المجزّأة" على منع ظهور شخصية مركزية مشتركة للطبقة الوسطى بإمكانها أن تعبر على المستوى السياسي. الوجيه نفسه وقع في فترة ما في متلازمة الكلية المجزأة. انضم إلى الحزب الحاكم، حزب صالح، ثم غادره في لحظة حرجة. غادره عندما كان المثقفون والساسة يعملون عبيد سخرة لدى صالح. كان الوجيه سعيداً بخياره، وكانوا أيضاً سعداء بخياراتهم.

لم تكن الطبقة العليا تعمل على تبديد الطبقة الوسطى في تهامة وحسب، بل في كل الوطن. فعلى سبيل المثال أشركت الطبقة العليا مثقفاً كعبد العزيز عبد الغني في عملية اغتيال الرئيس الحمدي فور حصول الأول على درجة الدكتوراه. جرت عملية تطويعه مع الزمن حتى اكتملت صورته الأخيرة ضمن مقالة نشرتها صحفية أميركية في الفورين بوليسي قبل أربعة أعوام. في المقالة سردت الصحفية كيف حاول عبد الغني استدراجها في سيارة بلا رقم في شارع الزبيري. سيحضرها عبد الغني إلى قفص صالح وسيعرض عليها الأخير، بلغة واضحة، أن تنزل إلى مسبحه. كان عبد الغني يتأملها، تقول الصحفية، عندما كان صالح يرفع فستانها قليلاً ويثني على نوعية النعال التي ترتديها. مات عبد الغني بعد ذلك بعامين أو ثلاثة وبقي التاريخ محايداً يروي الوقائع كما جرت دون أدنى اعتبار لمشاعر أصدقاء الراحل. هذا أيضاً موقفي. استطاعت آلية الكلية المجزأة أن تحول المرء من مثقف إلى قواد، ومن خبير في الاقتصاد إلى موزّع طبنجات في الظلام.

فرض الوجيه حضوره وشخصيته عندما كانت ملامح الآخرين تتلاشى، فجرى اختياره لوزارة المالية في أول حكومة بعد الثورة، الحكومة المختلطة. على الدوام كانت المالية الوزارة الأخطر. فهي العصا السحرية التي يجلب بها صالح الثعابين أو يسلطهم على الثعابين الآخرين. آلت، لأسباب لا تزال غير مفهومة، لرجل قادم من تهامة ليس خلفه من أحد يسنده سوى شكيمته الشخصية. وكان متوقعاً أنه سيتسبب بالكثير من الأذى لأولئك الذين اعتادوا على جني الكثير من المال بلا جهد. كانت تقارير الصحف المحلية التي تهاجم الوجيه تتناسب طردياً مع مستويات الأذى التي تسبب بها وزير المالية الشاب لتلك الجهات الخفية.

خلال عامين كتب عن صخر الوجيه الكثير. في اليمن تتبع كل وسيلة إعلامية جهة ما. لا توجد صحيفة عذراء. بقيت الحقيقة الاقتصادية متماسكة: استقرار العملة وسعر الصرف، كذلك بقي "الخطر المعنوي" عند حدود ثابتة. أي أن حالة من الفزع لم تصب المودّعين القليلين لتدفعهم لسحب أموالهم دفعة واحدة. بمعنى آخر: ستؤول إلى انهيار كلي للعملة. لقد عمل صخر، إلى حد كبير، على إيقاف العبث بالمال العام، وحالت جهوده دون حدوث تضخم على الطريقة الزيمبابوية التي تجاوزت 20 مليون بالمائة. كنت قد نشرت مقالة في المصدر في العام 2010 بعنوان: اليمن على بعد خطوة من اللحظة الزيمبابوية. لم يقف الوجيه عند حدود بعينها بل صعد إلى الأعلى حتى اقترب من عش النسر، من وزارة الدفاع ومن المؤسسة الاقتصادية.

حتى يكون بمقدورنا تخيل عش النسر دعونا نضرب مثالين:
ـ المثال الأول بالراحل عبد الكريم جدبان، الذي اغتاله تنظيم القاعدة في صنعاء. كان جدبان، أحد ممثلي الحوثي في الحوار الوطني، يحصل شهريّاً على رواتب 60 جندياً مسجلين كحراسة خاصة له. قتل لأنه كان يمشي بلا حراسة.
ـ المثال الثاني: مجاهد القهالي. لا يزال القهالي حتى الساعة يحصل على رواتب 500 عسكرياً، شهرياً.

إذا افترضنا أن راتب العسكري، بالمعدل، يساوي 45 ألف ريالاً يمنياً فستجد آلاتنا الحاسبة نفسها أمام أرقام تهز الضمير. على وجه الخصوص في بلد يغرق في الفقر والجوع والتسوّل.

هذه الحقائق لا بد من إعادة سردها، وفي ستين داهية أولئك الذين ستستفز مشاعرهم، مشاعرهم آخر ما يخطر في بالي الآن.

وزرة الدفاع إجمالاً ليست سوى فقاعة كبيرة خلقها صالح وأسكن بداخلها كل الحواة الذين خدعونا باسمه سنين طويلة.
صعد صخر خطوات إلى الأعلى باتجاه وزارة الدفاع والمؤسسة الاقتصادية. مؤخراً رفعت وزارة المالية رسالة من ثلاث صفحات إلى مجلس الوزراء تطالبه بوضع المؤسسة الاقتصادية تحت رقابة وزارة المالية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة. قدمت وزارة المالية شرحاً مطولاً حول الماكنة المالية والاقتصادية الضخمة للمؤسسة وقارنتها بأرباحها التي تقترب من الصفر. كما ذكرت وزارة المالية مجلس الوزراء بملاحظة غاية في الأهمية: قطاعات إنتاجية مهمة انخفضت مساهماتها في دعم الخزينة العامة على نحو ملحوظ بعد ضمها للمؤسسة الاقتصادية.

في الوقت نفسه، بالتوازي، اقتربت وزارة المالية من الدفاع. سألت سياسياً مرموقاً مقرّباً من هادي، تلفونياً، عن مبرر وزارة الدفاع الذي تشرح به رفضها الكشف عن سجلاتها. قال إنهم يقولون إن البلد يعيش لحظة حرجة وإن كشف أوراق وزارة الدفاع من شأنه أن يهدد استقرار الجيش نفسه. أمر آخر: يهيمن وزير الدفاع الآن على المؤسسة الاقتصادية ويحوم حول وزارة المالية. وزير الدفاع يعمل، بطريقة ما، كصيرفي للرئيس هادي. الأخير، هادي، يعيش هاجساً عميقاً يقول إنه لن يكون بمقدوره التحكم بالمشهد دون حصوله على أموال منفلتة، لا تضبطها سجلات ولا قواعد. هذه النقطة المركزية هي التي انحشر فيها كل من هادي والوجيه في معركة صامتة. خرج الوجيه من المركز وترك هادي الذي قد يتسبب في انهيار الريال، كلّياً، خلال نصف عام.

أمام إصرار وزير المالية، الوجيه، استجاب مجلس الوزراء وأصدر في أبريل 2014 وثيقة سميت ب "مشروع قرار بشأن تنظيم عمل المؤسسة الاقتصادية". في الفقرة الثانية من مشروع القرار جاءت هذه العبارة "إعداد الحسابات السنوية الختامية للمؤسسة وتقديمها إلى وزارة المالية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة". الفقرة الثانية وردت كالتالي: تمكين ممثلي وزارة المالية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة من الاطلاع على كافة الدفاتر والسجلات المحاسبية لكافة أنشطتها المختلفة". أما الفقرة الرابعة من مشروع القرار فنصت على "سداد كافة مستحقات الخزينة العامة من الأرباح والضرائب". القرار نص على تشكيل مجلس إدارة للمؤسسة. أما المعنيون بتنفيذه فكانت أسماؤهم كالتالي بحسب مشروع القرار: وزير المالية، وزير الدفاع، وزير الشؤون القانونية، رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.

كانت الحركة الثانية، بعد سجلات المؤسسة الاقتصادية، هي سجلات وزارة الدفاع.

واضح تماماً أن صخر الوجيه أراد أن ينقل كل من وزارة المالية والمؤسسة الاقتصادية إلى الأعلى عبر تشكيل مجلس إدارة فاعل يحول المؤسسة إلى ما يشبه الشركة الوطنية التي لا يحصل المسؤول عن أنشطتها سوى على رواتبهم فقط. وكان واضحاً أكثر أن الوجيه وضع وزير الدفاع في كماشة صلبة من الشؤون القانونية والمركزي للمحاسبة والمالية. ناور هادي وكسب الجولة، فيما يبدو، بتحييد الإصلاح. فقد تجاهل الإصلاح المعنى الكارثي لخروج وزارة المالية عن الشفافية وانهيار مشروع إصلاح المؤسسة الاقتصادية مقابل صعود الحميري ونصر إلى التلفزيون. سيتذكر الإصلاح هذا الخطأ الاستراتيجي في الأوقات التي لا ينفع فيها التذكر.

كانت صحيفة أخبار اليوم قد أشارت إلى جزء من هذه الحقيقة قبل أسبوع وأضافت إليها الكثير من الأباطيل كعادتها. بطريقة ما استطعتُ أن أحصل على وثائق ومعلومات مكنتني، شخصياً، من فهم جزء من اللعبة القذرة التي تدور في صنعاء ما بعد صالح. أو: صالح ذو النهدين، كما يسميه نائب وزير الإعلام.

وضع الوجيه العصا في العجلة، وأصبح رقماً صعباً للغاية. لم يكن ممكناً إلقاء صخر في مجلس الشورى، مجازاً، أي ركنه جانباً. فهو مقاتل شجاع، كان سيخرج في الغد في مؤتمر صحفي وسيقول القصة الكاملة. أبقوا عليه كمحافظ لتهامة. بينما قبِلَ هو أن يمارس درجة ما من الخيانة تحت تأثير نصائح حلفائه في اللقاء المشترك عن ضرورة الانحناء قليلاً ريثما تنتهي الفترة الانتقالية الحرجة.

كتبت توكل كرمان مقالة في واشنطون بوست ضد الحرب في اليمن ختمتها بجملة: كفاية تعني كفاية. قالت إن هذه الجملة هي ما ينبغي أن تسمعه السعودية من العالم الحر. في نقاشي معها البارحة قلت لها إني أتفق مع جزء كبير مما جاء في مقالتها، غير أن الأسئلة الصعبة لا »

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء