مزيداً من الافعال

01 - فبراير - 2014 , السبت 02:43 مسائا
3890 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةمروان الغفوري ⇐ مزيداً من الافعال

مروان الغفوري
يا لها من مفاجأة! قال النظام المصري إنه يتعرض لهجوم من قبل الجماعات الإرهابية. وصل الأمر حد استهداف مديرية أمن القاهرة، واغتيال مدير مكتب وزير الداخلية. لكن القيادات الأمنية، حيث يفترض بها أنها أصبحت في مرمى الإرهابيين، راحت تعتقل مريضاً ليبياً كنيته أبو عبيدة.

يعلم الأمن المصري تماماً أن أبا عبيدة المريض الليبي لا علاقة له بهذه الأحداث. لذلك أفرجوا عنه، بعد أن تحولت حادثة اعتقال أبي عبيدة إلى فضيحة دبلوماسية.

إذا كان الأمن المصري يعتقد أنه بالفعل يتعرض لعمليات إرهابية فلماذا يحاول أن يدفن التحقيقات في الصحراء، ويلفق التهم لأشخاص يعلم جيداً أنهم غير ذوي صلة؟ إذا كان النظام المصري يعتقد، بالفعل، أن الإرهاب يستهدفه فلماذا يحاول تمييع الاتهامات، وكأنه لا يريد القبض على الإرهابيين، بل تقديم كباش فداء ليمنع الأسئلة ويوقف الشكوك؟ هناك من يعتقد أن اعتقال أبي عبيدة، في قضية تفجير مبنى مديرية أمن القاهرة، قطع الشكوك باليقين.

فالأمن المصري لم يعتقله كمشتبه به، ضمن حلقة مشتبهين، بل سرد قصة كاملة حول التفجيرات، كان بطلها أبا عبيدة. لم يلبث أن كذبها بعد اختطاف دبلوماسييه في ليبيا، فأفرج عن المعتقل، وبقيت كل الأسئلة، بل بقيت القصة التي رواها الأمن قائمة، ينقصها البطل أبو عبيدة. سيعثرون على بطل جديد، فأحد الذين قدمت أسماؤهم للمحكمة، ضمن الخلية الغزاوية التي اقتحمت سجن وادي النطرون، معتقل في إسرائيل منذ العام 1996.


ليس لسقوط هذا النظام قاع، وليس لغبائه سماء.

قبل أربعة أشهر قالت الإيكونوميست إن الإعلام المصري أصبح أضحوكة العرب أجمعين. صحيفة الشروق المصرية نقلت قبل يومين على لسان مسؤولين أوروبيين قولهم إن النظام المصري يرتكب بشاعات يصعب الدفاع عنها، وتضع أصدقاء النظام في مواقف صعبة.

كعادة النظام المصري، الذي لا يختلف عن سابق سوى في أمر شديد التفاهة: أن زوجة السيسي امرأة محجبة بخلاف سوزان مبارك، يعتقد دائماً أن حي المنيل هو الحدود الشمالية للكرة الأرضية، وأن حلوان هي آخر بحيرة في الأطلسي. لا يوجد ساسة في مصر، يوجد وهم بلا حدود.

كان فريد زكريا، الكاتب الأميركي المعروف، قد سخر من الساسة والإعلاميين في مصر: الذين يستعيضون عن الوقائع والحقائق بالأوهام. هيكل، ذاته، بمقدوره أن يقص عليك تجربته منذ كتابه "إيران فوق بركان" مطلع الخمسينات. سيقول لك لماذا كان الملك حسين خائناً، لكنه لن يحدثك عن أحمد سعيد، غوبلز عبد الناصر، الذي كان يخاطب الملك حسين عبر الإذاعة المصرية بجملة: يا حسين يا بن زين. عندما التقيت المفكر المعروف د. أحمد أبو زيد في منزله في الاسكندرية 2007 قال لي: الإرستقراطية الملكية كانت ارستقراطية أخلاقية أيضاً. لن تجد إعلامياً للملك يخاطب خصومه من رؤساء الدول بأسماء أمهاتهم. العسكر منحطون. استخدام كلمة "عر�'ة".


عادت الأجهزة الأمنية البليدة لصناعة المستقبل. كالعادة، كما صنعت الماضي. نسي المصريون الماضي، ومعه تناسوا طبيعة الجهاز الذي يتحكم بمشاعرهم في الوقت الراهن. سيتذكرونه مرة أخرى، دفعة واحدة، في أقسام الشرطة. فقد نقلت صحيفة المصري اليوم 2009 عن واشنطون بوست أن أميركا ألقت القبض على رجل شديد الشبه بأيمن الظواهري، وأنها تعلم أن شقيقه معتقل لدى الأمن المصري. طلبت الحكومة الأميركية، بحسب الصحيفة، عينة من دم الظواهري لمطابقتها مع المعتقل في أفغانستان، جينياً. كان رد الأمن المصري صاعقاً فقد اقترحوا على الأميركان إرسال ذراع شقيق أيمن الظواهري لإجراء الفحوصات الكافية.

يقول الاقتصاديون إن حادث سرقة واحدة في مدينة بإمكانه أن يضر اقتصاد البلدة كلها. إذ من شأن ذلك أن يدفع حركة الاقتصاد باتجاه صناعة الأمن، وصناعة الأقفال وأجهزة المراقبة، كما سيخفض من منسوب حوافز الإنتاج. في الإسلام: تقطع يد السارق، وهي فكرة عبقرية تهدف إلى منع انهيار الاقتصاد، أو تحويله إلى اقتصاد أمني. يخرج المصريون، تحت مظلة إعلامية شديدة التفاهة والغباء، لانتخاب قائد الجيش رئيساً، في دولة بسيطة التركيب، فقيرة، واحد من كل ثلاثة من مواطنيها لا يجيد القراءة والكتابة.

يقول قائد الجيش إن مشروعه هو مكافحة الإرهاب، ولا يتحدث عن مشروع آخر. كما أنه قادم من الجيش، الذي تعمله مصانعه الحربية في صناعة الأدوات القرطاسية والمنزلية. يتجه السيسي إلى الرئاسة، حاملاً معه الاقتصاد المتهالك في اتجاه "صناعة الأقفال". لا تعلم لميس الحديدي مثل هذه المعادلات، ولا يتخيل العسكر المعنى الكلي للاقتصاد الحديث، باعتباره تجلياً للحرية السياسية والإبداع. يقودون مصر إلى الهاوية، بينما يقول المثل الأميركي: إذا وجدت نفسك في حفرة فلا تحمل مجرفة، لا تحفر أكثر.

هذه ليست عريضة دفاع عن الإخوان المسلمين، فقد تحالف الإخوان مع جهتين مدمرتين: قائد الجيش، السيسي، والتيارات السلفية. كان امتياز الجهتين: الإيمان. جاؤوا بقائد المخابرات إلى وزارة الدفاع لأنه كان يصلي الفجر. وتحالفوا مع تيارات "كم رجلاً اعتلاكِ" لأنهم ذوو زبيبات في الوجوه. وعندما انهارت العملية السياسية باحتلال الجيش للمشهد ذهب الإخوان لتشكيل تحالف سياسي وجماهيري مع السلالات الجديدة من التكفير والهجرة.

خرج قادة الإخوان من السجون. من الطبيعي أن يمروا بمراكز تأهيل نفسية قبل انخراطهم مرة أخرى في المجتمع، ناهيك عن التفكير في قيادة هذا المجتمع الذي يعيش في الضوء طيلة الوقت. فالحياة في السجن تنهك الأعصاب والخيال والمشاعر، وتعزل المرء عن العالم. لكنهم بدلاً عن ذلك ذهبوا يقودون دولة شديدة الضخامة، تعدادها تسعون مليون جائعاً غاضباً. تعد مصر بالجياع، لا بالمواطنين. كما يتوقع علم النفس تماماً، كان الإخوان أبطأ من الأحداث، وكانت ماكنتهم الذهنية أكثر تخلفاً من سرعة الظواهر الجديدة. انهاروا فجأة، كل�'ياً. مثل هذا الانهيار نادر الحدوث، بهذه الصورة الكلية، المدو�'ية، أمام خصوم غير مرئيين لن يتركه التاريخ دون أن يعلق عليه كثيراً. في عام الإخوان اليتيم صعد السلفيون على الأكتاف فأفزعوا العالم. تجلت كارثة نظام مبارك: فلا يوجد في مصر ساسة، ولا سياسة. يوجد عك أزلي، بلا ملامح، بلا قواعد، بلا قيم. كان نظام مبارك قد جرف الحياة برم�'تها. خسر الأغبياء اللعبة، وكسبها اللصوص.


يتحرك قادة الجيش المصري والأمن في المشهد، حالياً، على طريقة ال "وان مان شو". لا منافس في المدى، لا مستقبل للديموقراطية. لم تنفق السعودية والإمارات عشرات المليارات لكي تعزز من عملية وصفها الوليد بن طلال على حسابه في تويتر بالخبيثة والمعدية "الربيع العربي مرض خبيث، معدي، لا بد من القضاء عليه".

وداعاً مصر لعشرات السنين ..

كتبت توكل كرمان مقالة في واشنطون بوست ضد الحرب في اليمن ختمتها بجملة: كفاية تعني كفاية. قالت إن هذه الجملة هي ما ينبغي أن تسمعه السعودية من العالم الحر. في نقاشي معها البارحة قلت لها إني أتفق مع جزء كبير مما جاء في مقالتها، غير أن الأسئلة الصعبة لا »

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء

لا توجد مشاهدة

لا توجد تعليقات