هل حزب الإصلاح خطر على الحياة العامة؟

21 - فبراير - 2014 , الجمعة 08:15 مسائا
3683 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةمروان الغفوري ⇐ هل حزب الإصلاح خطر على الحياة العامة؟

مروان الغفوري
اللحظة اليمنية الراهنة بالإمكان فرزها على هذا النحو: انتهى الحوار الوطني باتفاق كل القوى على مسودة كبيرة شملت النظام السياسي، الأمني، العسكري، القضائي، التعليمي .. إلخ.

المهمة العاجلة هي تشكيل لجنة صياغة الدستور، بحسب مشاريع القرارات والتوصيات المتفق عليها ـ أصلاً ـ في الحوار الوطني. يعرض الدستور للاستفتاء الشعبي، ثم تدشن الحياة السياسية بعد ذلك، بما فيها الانتقال إلى الشكل الأكثر تطوراً للدولة: النظام الفيدرالي.

خريطة العوائق التي تعقّد المهمّة، المتفق عليها من قبل كل القوى بما ذلك القوى الثورية، يمكن اختصارها كالتالي:
ـ قنينة أحمد الصوفي. أي: الأوليغارشيات، جماعة النفوذ والثروة، التي نشأت مع| بفعل نظام صالح، في مقدمتها رجال أسرة صالح. ملحوظة: أحد أنجال صالح أسس مؤخراً شركة "خدمات تعليمية" بمبلغ 100 مليون ريال. هذه الطبقة المعقّدة، الشبكة في واقع الأمر، غير متحمّسة للانتقال إلى أي شكل من أشكال الدولة المستقرة، المؤسسة على الديموقراطية والإدارة الحرّة، والنظام الحزبي.

ـ جماعة الحوثي. وهي أكثر الجماعات أزمة وارتباك. تقوم الحركة الكلية للحوثي على طموحات ومغامرات "الأمير الصغير". لكن الأمير الصغير يجد نفسه عاجزاً عن تقديم الإجابات عن الأسئلة الأكثر مفصيلة في تاريخ ومستقبل الحركة. فهو لا يمكنه التحوّل إلى حزب سياسي، لأنه سيبدو في البرلمان أقلية. فهو يتوسّع ضمن مدى المذهب، لا خارجه. المذهب، إجمالاً، يمثّل أقلية في الخارطة الدينية اليمنية. كما أنه لن يتسطيع تحويل المذهب الزيدي إلى حزب سياسي، ذلك أنه سيدخل في صراع وجودي مع أكثر من 170 أسرة تعتقد، بطريقة أو بأخرى، بأن لها الحق في أن تمثل المذهب. أزمة الحوثي يمكن تلخيصها في جملة صغيرة: جماعة مسلّحة لا يمكنها العودة إلى جبل مرّان ولا دخول صنعاء. ستعيش هذه الجماعة في الفوضى، فهي لن تكون مطالبة بتقديم إجابات عن الأسئلة المهمة: موقع الجماعة من الحياة السياسية الوشيكة، من الدولة الديموقراطية، والمجتمع المفتوح! هذه الأسئلة حاسمة ومفترسة بالنسبة للأمير الصغير.

ملحوظة: قبل أسبوعين كتب محمد عبد السلام ، الناطق الرسمي للحوثي، عن توسع حركته. قال إن الحديث عن التوسع لم يعد يصدقه أحد. إذ كل ما في الأمر أن "أبناء الشعب اليمني" يرغبون في الانضمام إلى أنصار الله. أضاف تحذيراً شديد للهجة لأولئك الذين يمنعون الشعب اليمني عن تحقيق رغبته!
كان ذلك بعد انتهاء الحوار الوطني. أي بعد اتفاق الجماعة الوطنية، بكل طيوفها، على أن هناك طريقة واحدة فقط لتحقيق رغبة الشعب اليمني في الانضمام إلى أي مكون. وأن هذه الطريقة ليست عبر الدبابات وورشات السلاح.

ـ تنظيم القاعدة. وجد التنظيم نفسه عاطلاً عن العمل. فهو محصور في دولة ليس فيها استثمارات أميركية، ولا سياحة، ولا خواجات. لذلك قرر أن يخترع عدواً أميركيّاً: الجيش اليمني، والأمن اليمني.
سيواصل التنظيم نشاطه مدعوماً بشذاذ الآفاق والمهاجرين الجدد الذين سينضمون إليه عبر أكثر من طريق
. ملحوظة: كتب المفكر الإصلاحي عبده سالم قبل خمسة أعوام توقعاته عن هجرة التنظيم من أفغانستان إلى اليمن عبر إيران، مقابل هدنة يجريها التنظيم مع نظام طهران.
لا يقاس الحجم الكارثي لتفجير سيارة مفخخة بعدد الجرحى المدنيين أو القتلى من الجيش. بل بأمر إضافي فادح: انهيار التصنيف الإئتماني لليمن. أي إخراجها من خارطة دول الاستثمار، أو الدول التي يمكنها أن تمتص السيولة المالية العالمية. بالمعنى الرياضي: تفجير سيارة مفخخة واحدة يعادل فقدان عشرة آلاف شخص لوظائفهم. أي انضمام عشرة آلاف أسرة إلى دائرة الفقر الكبيرة. أما الرذيلة والعجز والفشل والإحباط واليأس، وكذلك السلوك الاجتماعي العدواني، فهي نتائج مباشرة للفقر.

ـ الحركة الانفصالية في الجنوب، في مقدمتها الفريق السياسي الانتحاري الذي وجد رهاناته كلها سقطت مع انتهاء الحوار الوطني وتوقيع ممثلي الحراك الجنوبي على الوثيقة النهائية. فقبل انتهاء الحوار الوطني بأيام قلائل تحدث علي ناصر محمد إلى صحيفة خليجية. قال إن الحوار خياره "الاستراتيجي" لكن للأسف، يقول ناصر، إن هذا الخيار فشل في صنعاء فقد رفضوا التوقيع على الوثيقة النهائية وانهار الحوار إجمالاً. ألمح إلى إن السبب يعود، في بعض أجزائه، إلى رفض الملاحظات التي قدمها قبل انطلاق الحوار. هذه الخسارة المدويّة للفريق الأرثوذوكسي في الحراك الجنوبي هي التي دفعت البيض وناصر وباعوم إلى التقاط تلك الصورة التاريخية، على طريقة قول الشاعر: إن المصائب يجمعنَ المصابين. كان العطاس قد حذرهم، في لقاء تلفزيوني أخير، من تحول وثيقة الحوار إلى وثيقة أممية ستجعلهم في صدام مباشر مع المجتمع الدول. "لا نريد أن نخسر المجتمع الدولي" قال العطاس.
بصرف النظر عن المشروعية الأخلاقية والسياسية لهذا الشق من الحراك الجنوبي، الذي لا يثور على الوحدة بل يكرر إنه في مواجهة وجودية مع "دولة اليمن" فإن القول بأن الصيغة التي انتهى إليها الحوار الوطني كانت the cleanest dirty shirt أو الشمير الوسخ الأكثر نظافة من الآخرين سيفضي عملياً إلى استنتاج أن هذه الحركة السياسية هي مشكلة حقيقية أمام الدولة الجديدة. العطاس قال إن المشكلة بدأت في 67م عندما أطلق على الدولة الجديدة اسم "اليمن" وهي دولة لا علاقة لها، تاريخياً ولا سياسياً، باليمن.
هؤلاء الساسة، وهم قد تجاوزوا السبعين من العمر، لا يكترثون كثيراً لنشوء الدولة أو اضمحلالها، أي دولة. يستخدمون علاج السكر والضغط، ووبعضهم يضع "الحبة الزرقا" في جيب بنطاله، ثم ليحدث بعد ذلك أي أمر. يقول علم النفس إن الإنسان يفقد، مع الزمن، قدرته على الاستجابة السريعة للأحداث، كما يصبح محافظاً شديد التمسك بمواقفه، مواقفه التي تصبح جزءً صميماً من شخصيته. فهو عندما يقول لمرة واحدة لا، سيموت عليها. ليس دفاعاً عن الفكرة نفسها بل عن شخصيته التي لا بد وأن تتماسك وهي تقف على حافة القبر.

معلومة أخيرة: بعد عشر سنوات من الآن سيكون البيض وصالح وياسين وهادي وباعوم وناصر الأحمر والجنرال ... في عداد الموتى.

هذا ليس تنجيماً. في العا 2024 سيكونون كلهم في عداد الموتى. لذلك تبدوا خياراتهم انتحارية ومتصلبة، بلا أفق، وبلا خيال. فليس ثمة الكثير من الأفق الذي ينتظرونه. هل تعرفون ماذا يعني ذلك في التحليل النفسي؟
في "الخيميائي" لكويلو نجد مسنّاً في شمال أفريقيا يجمع المال طوال العام. يقول إنه يجمعه حتى يتمكن من أداء فريضة الحج. ما إن يقترب المال من المقدار المطلوب حتى يصرفه جميعه. يفسّر لذلك لعماله بقوله إنه كبير في السن ولم يعد لديه طموح سوى أن يحج البيت، ثم سيموت بعد ذلك. وإنه يخشى إن حج هذا العام أن يعود من الحجاز بلا طموح، وبلا أفق، وبلا أحلام جديدة. أي عود ميتاً.

لهذا يغامر السبعينيون بصورة فاجعة، فهم يخشون أن تفلت من أياديهم خيوط آخر لعبة مسلية منحتهم إياها الحياة. لكن المؤسف في الأمر، والمفزع، أن ما يعتقدونه لعبة ليس سوى "نحن". نعم، نحن، أنا وأنت.

هذه هي "خارطة" المخاطر التي تواجه حلم الدولة الجديدة في اليمن. أي حلم الثورة. من الملاحظ أن حزب الإصلاح، الحزب الاشتراكي، وأحمد سيف حاشد ليسو جزءً من حلزون الموت، والخراب، هذا!

س. سؤال: ما هو العك الأزلي.
ج. جواب: هو الهرتلة خارج هذه الخريطة، والاستغراق في فكّة تفاصيل لا علاقة لها بالمخاطر الوجودية التي تهدد "نشوء الدولة".

كتبت توكل كرمان مقالة في واشنطون بوست ضد الحرب في اليمن ختمتها بجملة: كفاية تعني كفاية. قالت إن هذه الجملة هي ما ينبغي أن تسمعه السعودية من العالم الحر. في نقاشي معها البارحة قلت لها إني أتفق مع جزء كبير مما جاء في مقالتها، غير أن الأسئلة الصعبة لا »

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء