السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الخليج.. تغير الأولويات والتحالفات

16 - فبراير - 2015 , الإثنين 07:32 مسائا
6280 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةعربي ودولي ⇐ السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الخليج.. تغير الأولويات والتحالفات

الضالع نيوز/شئؤون خليجية

تشهد السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الخليج العربي تحولًا استراتيجيًا جديدًا، قد تكون له انعكاسات سلبية عميقة على الأمن والاستقرار في تلك المنطقة الحيوية بالنسبة للاقتصاد العالمي، خاصة بعد رفض الرئيس الأمريكي بارك أوباما فرض المزيد من العقوبات على إيران، بسبب سياساتها المرفوضة وتدخلها المستمر في شؤون دول المنطقة، وتهديده باستخدام حق النقض في حال اصر الكونجرس الأمريكي على فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية علي إيران، هذا في الوقت الذي بات فيه الامن الخليجي مهددًا بشكل مباشر من قبل حلفاء إيران في المنطقة، وخاصة الحوثيين الذين سيطروا على مقاليد السلطة باليمن بعد الإطاحة بالبرلمان المنتخب، وترك الرئيس السوري "بشار الأسد" ليمارس سياسة القتل البطيء بحق الشعب الثوري، وارتكاب مجازر بشرية لم نشهد لها مثيلًا في أي دولة من دول العالم، وتركيز الانتباه بدلًا من ذلك علي تنظيم الدولة الاسلامية بالشام والعراق، لتهديده المصالح الأمريكية، وخروجه عن دائرة الموالاة الأمريكية، بالرغم من أن داعش ومثيلاتها من الحركات المتشددة ما هي إلا انعكاس للسياسات الاستبدادية التي ينتهجها بشار وغيره من الديكتاتوريين العرب، ما يعني أن هناك سياسة أمريكية جديدة في المنطقة، قد يترتب عليها تغيير الولايات المتحدة لأولوياتها وتحالفاتها في المنطقة، ليبقى الثابت الوحيد هو الحفاظ على أمن واستقرار إسرائيل، وحماية مصالح الولايات المتحدة وشركائها الغربيين في المنطقة، حتى ولو كان ذلك على حساب مصالح الشعوب العربية واستقرار دول منطقة الخليج.


ثوابت وأهداف السياسة الخارجية الأمريكية
تقوم السياسة الخارجية الأمريكية على مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، أهمها الحفاظ على مصالحها وتعزيز مكانتها العالمية، بما يحفظ لها الريادة في قيادة العالم والحفاظ على بقاء أميركا القطب المهيمن على السياسة والاقتصاد العالميين، فضلًا عن الحفاظ على الدعم المطلق لإسرائيل ومنع قيام دولة فلسطينية، وما يرتبط بذلك من ضرب سوريا واحتواء سائر الأنظمة العربية، وإعادة المنطقة بما يتوافق مع الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية.
وعلى الرغم من أن هذه الأهداف ليست وليدة اليوم، حيث إنها أهداف قديمة رافقت مسيرة الهيمنة الأمريكية على العالم، إلا أن المختلف اليوم إنما يتمثل في انقلاب الإدارة الامريكية الحالية والسابقة على ثوابت هذه السياسة، والتي تمثلت في:
1 - عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
2 - تشجيع التعاون الإقليمي من أجل السلام والتقدم.
3 - مؤازرة الدول الصديقة في سعيها لتأكيد أمنها الذاتي.
4 - التمسك بالمبادئ المعلنة في قمة موسكو والمتعلقة بتفادي المواجهة بين القوتين العظمتين.
5 - تشجيع التبادل الدولي للسلع والخدمات والتقنية.
فقد مثلت تلك الثوابت الركائز الأساسية التي نهضت عليها الاستراتيجية الأميركية في الخليج حتى وقت قريب، إذ كان المستهدف تكريس الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية دونما تدخل عسكري صريح، وذلك بالاعتماد على العلاقات الوطيدة مع المملكة العربية السعودية وتركيا، تطبيقًا لسياسة الدعامتين Twin Pillars وجوهرها ترجيح مساعي التعاون الإقليمي في النطاق الخليجي، ومساعدة تركيا والمملكة العربية السعودية عسكريًا بغرض حماية المصالح الأميركية في منطقة الخليج.
بيد أن الربيع العربي وما تبعه من تدخلات خليجية مباشرة لإجهاضه، جاء بتحولات عنيفة مست دول الخليج، التي بعدما نجحت في عرقلة مسار الربيع العربي في مصر وليبيا وتونس والبحرين، وجدت نفسها فجأة على أعتاب مواجهة غير مباشرة مع أذرع إيران المسلحة في الدول العربية، خاصة في اليمن من جهة، والحركات الإسلامية المتشددة التي ترفض حكم تلك الممالك، مثلما هو الحال في العراق من جهة أخرى، لتصبح تلك الدول وعلى رأسها السعودية واقعة بيني فكي الكماشة الإيرانية في العراق واليمن، وليصبح استقرار الخليج بأكمله معرضًا للخطر الشديد، خاصة وأن الولايات المتحدة بصدد تكرار تجربة الماضي واستعادة الدور الإيراني كشرطي لمنطقة الخليج مرة أخرى.
وما يزيد الأمور خطورة، ذلك التوجه الذي يقوده الرئيس أوباما في الوقت الحالي، والذي يمثل انقلابًا على الثوابت الامريكية السابقة، فالولايات المتحدة وإن لم تتدخل بشكل مباشر في السياسات الداخلية للدول الخليج، إلا أنها تترك الباب واسعًا لإيران كي تنفذ استراتيجيتها الخاصة بالهيمنة على تلك الدول، من خلال إقامة مشروع الهلال الشيعي بالتوافق مع الإدارة الأمريكية، التي لا يشغلها سوى حماية أمن إسرائيل، ومنع قيام تسويات على حساب مصالحها، ودوام تفوقها وهيمنتها على العالم.
كما أنه وعلى عكس سياسة الرئيس بوش، التي جعلت استقرار تلك المنطقة على رأس أولوياتها، جعلت إدارة أوباما سياسة مكافحة الإرهاب على رأس اهتماماتها، مما جعلها تسعى إلى توظيف السياسات العربية، بل وتوجيهها، لجعل هذا الموضوع في مقدمة اهتماماتها، من دون أن تعالج الأسباب الموضوعية التي تجعل من العالم العربي أرضًا خصبة لازدهار هذا الإرهاب. ونظرًا للثقة الضعيفة بقدرة هذه الأنظمة على مواجهة هذا الملف، تحتل سياسة الوجود الأمريكي العسكري المباشر في أكثر من منطقة عربية، أولوية حاسمة تجعل الولايات المتحدة قادرة على التدخل الفوري لمنع حصول أي خلل يؤثر على المصالح الامريكية في تلك المنطقة.
ويعتبر الثابت الوحيد في سياسة أوباما الخارجية ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، فخلافا لكثير من الاحاديث الخاصة بحدوث تغيير أميركي لصالح إيجاد حل يعطي العرب والفلسطينيين حدًا من الحقوق المشروعة، تراجعت السياسة الأمريكية عن الوعود، والتزمت سياسة إسرائيلية بالكامل، لا تقل في فجاجتها عن سياسة الرئيس بوش لجهة الانحياز المطلق للسياسة الإسرائيلية، برز هذا في الموقف من الاستيطان الصهيوني والطلب من الفلسطينيين تقديم التنازلات، وبلغ أوج تعبيره في تجاهل الرئيس أوباما لموضوع الصراع العربي الإسرائيلي في خطابه عن حال الاتحاد.


وسائل تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية
تعتبر سياسة المساعدة الاقتصادية من أكثر الوسائل الأمريكية فعالية في تنفيذ توجهات السياسة الخارجية الأمريكية، فهذه المساعدات التي تستخدم في دعم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وأصدقائها في العالم، يمكن أن تضيق وأن تتسع حسب مرونة الدول المستفيدة، وقدرتها على التشكيل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وفق النموذج الأمريكي. وليست المساعدات الاقتصادية فقط هي أدوات السياسية الخارجية الأمريكية، بل إن الوجود العسكري الأمريكي من أهم هذه الأدوات، وقد اكتسب هذا الوجود العسكري الأمريكي أهمية خاصة في العالم العربي، من خلال إنشاء الولايات المتحدة الأمريكية قوة التدخل العسكري، التي أريد لها أن تكون مقدمة للقوات الأمريكية، تسارع بالدفاع عن المصالح الأمريكية إلى أن تأتي باقي القوات الرئيسية، ومن خلال القواعد والتسهيلات التي أعطتها البلاد العربية المختلفة للولايات المتحدة الأمريكية، في مناخ يتسم بالخوف من وجود اي تهديدات غير متوقعه تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة.
كما تعتمد الولايات المتحدة في تنفيذ سياستها على حلفائها وشركائها في المنطقة، وهؤلاء يتغيرون حسب الحاجة، فعلى الرغم من الحلف الاستراتيجي ما بين شاه إيران والولايات المتحدة واعتباره شرطي دول منطقة الخليج، تغيرت المعادلة بمجرد سقوطه وتحولت إيران من دولة صديقة إلى دولة عدوة، بل وتم اعتبارها إحدى دول محور الشر في منطقة الشرق الاوسط، وما استدعاه ذلك من فرض حصار اقتصادي خانق على إيران، في مقابل توطيد وتعميق العلاقات مع دول الخليج، والتحالف معها لتعميق الحصار الإيراني، وهذا ما بدأ يتغير، بعد أن عادت الولايات المتحدة وحاولتـ كما هو حادث الآنـ التقارب مع إيران، وغض الطرف عن الكثير من سياساتها المستفزة في المنطقة، وقد وصل الأمر لدرجة تهديد الرئيس أوباما للكونجرس برفض أي قرارات من شأنها فرض مزيد من العقوبات على إيران، بزعم أن المساعي الدبلوماسية بين الدولتين كفيلة بالقضاء على الخلافات القديمة، وهو ما يمثل انقلابًا استراتيجيًا على سياسة الولايات المتحدة السابقة تجاه المنطقة.


دوائر السياسة الخارجية الأمريكية
يرتكز التصور الإستراتيجي الأميركي الجديد، للمنطقة، على خلق ثلاث دوائر إستراتيجية متداخلة، ومتكاملة، تتقاطع جميعها في مركز واحد، وتسيطر عليها، وعليه، الإدارة الأميركية. وهذه الدوائر الثلاث هي:
أ – دائرة الحلف الإستراتيجي الأميركي الإسرائيلي:
منذ نشأ الكيان الصهيوني والولايات المتحدة تعتبره حليفًا استراتيجيًا لها في المنطقة، تقوم بدعمه باعتباره أداة الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وعنصرًا من عناصر الردع للقوى الإقليمية.
وكانت مواقف رؤساء الولايات المتحدة السابقين معبرة بشكل كبير عن تلك الإستراتيجية، حيث كان الالتزام بأمن إسرائيل ثابتًا وإن تفاوتت أشكال التطبيق من رئيس إلى آخر، فقد أقر الرئيس نيكسون صراحة بأن الولايات المتحدة منذ التقسيم قامت بضمان أمن إسرائيل، مشيرًا إلى أن التزام الولايات المتحدة ببقاء اسرائيل التزام عميق، وأن ما يربط الولايات المتحدة بإسرائيل اقوي من قصاصة ورق، لأنه التزام معنوي لم يخل به أي رئيس في الماضي أبدًا، وسيفي به كل رئيس في المستقبل بإخلاص.
وهذا ما أكد عليه كلينتون بقوله: "إن للولايات المتحدة مصلحة حيوية ليس في إسرائيل فقط، بل أيضًا في التعاون الاستراتيجي بين بلدينا في المنطقة".
وعليه فإن التصور الأمريكي لدولة إسرائيل ظل يرى بأنها قاعدة إستراتيجية لا يمكن مقارنة العلاقة معها بأية علاقة مع اي دولة عربية، ولذلك فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الإستراتيجية الأمريكية عن الإستراتيجية الإسرائيلية، لأن عناصر التخطيط الاستراتيجي لكلا الدولتين متداخلة ومترابطة إلى حد كبير، فالولايات المتحدة تؤمن أن أمن وسلامة إسرائيل هو الذي يضمن استقرار المنطقة واستقرار المصالح الأمريكية فيها.
لذلك نلحظ أنه بالرغم من اتباع اسرائيل لسياسات عديدة أضرت بالمصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة العربية، إلا أن ذلك لم يؤثر في حجم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لها، فصناع السياسة الأمريكية يعرفون تمامًا أنهم كلما جاهروا بمساندتهم لإسرائيل كوفئوا أكثر من صناديق الاقتراع.
ب – دائرة الحلف الإستراتيجي الأميركي – الإسرائيلي – المصري:
ترسخت هذه الدائرة بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وهي ترتكز على دور أساسي للنظام المصري في خدمة الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، وهو الدور الذي وصف بأنه (سيبقى في موقع المركز من إستراتيجية أميركا تجاه الشرق الأوسط الحافل بالاضطراب)، وتعتمد الولايات المتحدة في حفاظها علي هذا الحلف على ما تقدمه من دعم اقتصادي وعسكري لمصر، بحيث تبقى مصر دائمًا في نطاق الدائرة الأمريكية، التي تهدف للسيطرة والهيمنة على دول المنطقة، بما يسمح لها بالتواجد العسكري المستمر لقواتها في المنطقة، وتسهيل القيام بعمليات أميركية، أو مشتركة مع قوات الدولتين، في الأماكن والظروف التي ترى الولايات المتحدة ضرورة للتدخل فيها.
جـ – دائرة (الإجماع الإستراتيجي) الأميركي – العربي – الإسرائيلي:
في نهاية عام 1980م قامت بعثة خاصة، بتكليف من (لجنة الشؤون الخارجية) بالكونغرس الأميركي، بزيارة استكشافية إلى تسع دول في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي والقرن الإفريقي هي: مصر– السودان– إسرائيل– كينيا– الإمارات العربية المتحدة– قطر– السعودية– الكويت– عمان، درست خلالها على الطبيعة، القضايا الرئيسية بها، وقدمت البعثة تقريرها في شهر (مارس) 1981م. وقد نص التقرير على أن نجاح خطط الردع الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، لمواجهة التهديدات الخارجية أو لمواجهة حلول زعماء (مغامرين) محل الزعماء الأكثر اعتدالًا، يقتضي من الولايات المتحدة الزيادة الفورية لقدراتها العسكرية، وقدرات حلفائها الغربيين لتكون كافية للردع المؤثر. كما أشار التقرير إلى أن كلًا من مصر وإسرائيل، اللتين تمثلان دولًا محيطة بمنطقة الخليج، وموالية للغرب، يمكن أن تتحمل جانبًا من أعباء الولايات المتحدة الإستراتيجية في المنطقة، خاصة إذا أضيفت إلى قواها، قوة تركيا، القريبة أيضًا من منابع النفط،، ولتوفر القواعد والمطارات العسكرية الصالحة فيها، لذلك يجب أن يوضع في الاعتبار حجم قواتها المسلحة، وعدد مطاراتها وقواعدها، بالإضافة إلى حجم وقدرة القوات المسلحة في كل من مصر وإسرائيل، وذلك لاستخدام القوات الثلاث ضد أي تهديد في منطقة الشرق الأوسط.
وكان سعي الولايات المتحدة، لتكوين هذا (القوس) الموالي، يمثل جانبًا من محاولة إكمال هاتين الدائرتين، بالدائرة الثالثة الأوسع، دائرة الإجماع الإستراتيجي، التي تضم كل (الأصدقاء) من اليهود والعرب، في حلف يهدف– كما ذكر الرئيس الأميركي ريغان في حفل استقبال أنور السادات– إلى إنجاز القضية الأكثر أهمية بالنسبة لهما، وهي قضية الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، بحيث يمكن التصدي الصارم للأخطار الإستراتيجية الخارجية.
هذه التحالفات تشهد الآن حالة من الانكسار، إذ يبدو أن هناك محاولة لاستبدال الدور التركي بالدور الإيراني المتصاعد في دول منطقة الخليج، خاصة بعد المواقف التركية الرافضة للسياسات الأمريكية الداعمة للاستبداد والعنصرية في منطقة الشرق الأوسط، وتراجع أهمية النفط بالنسبة للولايات المتحدة، التي اصبحت من أكبر مصدري النفط في العالم، وتحول أولوياتها ناحية تفتيت وتقسيم دول المنطقة، بحيث تبقى إسرائيل القوة الإقليمية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، مما يدفعها للاستعانة بالعدو القديم، وتحويله لشرطي يحافظ ويدافع عن مصالحها في المنطقة.


تحولات السياسة الأمريكية في عهد أوباما
لم يعد خافيًا على أحد أن صناعة السياسة الأمريكية الخارجية ليست منوطة بشخص الرئيس الذي يتولى سدة الحكم، بغض النظر عن انتمائه الحزبي والتباين بين برامج الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إذ كان من المتوقع أن تغير إدارة أوباما من سياستها الخارجية إزاء المنطقة عمومًا، وتجاه القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، ولكن خاب ظن الجميع، إذ استمرت حكومة نتنياهو العنصرية بعدوانها على القدس والمقدسات، وتسارع وتائر بناء الوحدات الاستيطانية وتشريد أهالي القدس وهدم منازلهم، من دون أن تحرك الإدارة الأمريكية ساكنًا، بل تراجعت عن وعودها التي قطعتها على نفسها أمام المجتمع الدولي، بضرورة وقف الاستيطان مقابل خطوات تطبيع مع العرب، ثم تجميد مؤقت للاستيطان، بل ووصل الانحياز لإسرائيل لدرجة مطالبتها الجانب الفلسطيني باستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة، متطابقة في ذلك مع موقف حكومة اليمين المتطرف التي يتزعمها نتنياهو.
ففي الواقع تمر السياسة الخارجية الأمريكية بتحولات كبيرة منذ بدء فترة الرئيس باراك أوباما الثانية، أبرزها "الارتكاز الآسيوي" (Asian Pivot) الذي أعلنه أوباما، والذي بمقتضاه تصبح منطقة شرق آسيا المنطقة ذات الأولوية الأولى للسياسة الأمريكية عالميًا، خصوصًا وهي تشهد صعودًا غير مسبوق للصين، وتوسعها في منطقة بحر جنوب الصين، بما يهدد التوازن الاستراتيجي في المنطقة مع دول مثل اليابان وأستراليا، وهو التوازن الذي تمثل الولايات المتحدة عماده الأساسي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فالتغيّرات في المنطقة وصلت لأوجها بإعلان الصين لنطاق دفاع جوي جديد (ADIZ) يشمل جزءًا من المياه الإقليمية اليابانية. كما أن صعود الخلافات في تلك المنطقة من المحيط الهادي يهدد بطبيعة الحال الولايات المتحدة، ليس عسكريًا واستراتيجيًا فقط، باعتبار المحيط الهادي ساحة إقليمية بالنسبة لها، ولكن اقتصاديًا أيضًا، لا سيما وأن الصين هي شريكها الاقتصادي الأول، ودول مثل اليابان وأستراليا ومجموعة الأسيان تمثل ركائز مهمة للاقتصاد العالمي.
هذا الالتفات الأمريكي نحو شرق آسيا انطوى على انسحاب جزئي من منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا ونفط الخليج فيها لم يعد يمثل الأهمية القصوى التي مثَلها للولايات المتحدة حتى مطلع العقد الحالي، وذلك بسب ثورة "شيل"، أو الغاز الصخري، الذي من المتوقع أن يجعل من الولايات المتحدة لاعبًا مهمًا في عالم النفط والغاز، ومصدّرًا خلال عقود، وهو ما يعني تحرّرًا من أعباء الإدارة اليومية لشؤون الشرق الأوسط، والتي فرضتها حيوية النفط الخليجي للاقتصاد الأمريكي، ودافعًا آخر لسياسة الارتكاز الآسيوي.
يستتبع هذا الانسحاب من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، خاصة المملكة العربية السعودية ودول الخليج، إعادة الحسابات فيما يخص اعتمادهم على الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، إعطاء حرية أكبر في التصرّف في "الإرث الاستراتيجي" الأمريكي في المنطقة، مما يعني تغييرًا في العديد من السياسات الأمريكية المتبناه في العقد المنصرم.
وتنزيل هذه الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، لا يعني أن الولايات المتحدة سوف تتخلى عن المنطقة، بل يعني أن الشرق الأوسط لم يعد يشكل الأولوية الإستراتيجية نفسها التي كانت له سابقًا في السياسة الأمريكية، وأنه يعتبر اليوم مجرد "حديقة خلفية" للقوى الكبرى (أمريكا، أوروبا، روسيا، الصين)، وأن لا حلفاء لأمريكا بعد اليوم في هذه المنطقة، بل فقط مصالح مشتركة وضعت لها خطوطًا حمراء يجب عدم تجاوزها من قبل أحد، حتى لا تتعرض هذه المصالح للتهديد. أما ما عدا ذلك، فيمكن القبول بشرق أوسط يتخبّط في مشاكله المحليّة المعقدة لفترة انتقالية مقبلة، مع حفظ الأمن الإسرائيلي، والتسليم بنفوذ إيران غير مُسلّحة نوويًّا في المنطقة.

حرب قره باغ.. لماذا تقف إيران مع أرمينيا المسيحية وتدعم تركيا السنية أذربيجان الشيعية؟ الضالع نيوز _ الجزيرة نت مع استمرار الحرب الأذرية الأرمينية، تبدو إيران أقرب إلى أرمينيا فضلا عن دعمها التاريخي لها، الأمر الذي يثير تساؤلات معقدة تتعلق بأسباب تأييد إيران لأرمينيا المسيحية ضد أذربيجان تتمة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء

لا توجد مشاهدة

لا توجد تعليقات