شركاء في الحوار متآمرين عليه

26 - ديسمبر - 2013 , الخميس 01:41 مسائا
3844 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةعادل امين ⇐ شركاء في الحوار متآمرين عليه

عادل امين
حين خرج اليمنيون في ثورتهم الشعبية إلى ساحات الحرية والنضال السلمي كانوا مدركين تماما لحجم فاتورة التغيير التي سيدفعونها، وكانوا على يقين من أن التغيير الذي ينشدونه يستحق ثمنه الباهظ، فلم يظنّوا به ولم يترددوا في سداده. وكانت الدولة المدنية الحديثة بمفهومها الشامل هي مشروع ثورتهم السلمية في 11 فبراير 2011، مثلما كانت من قبل مشروع ثورتهم في 26 سبتمبر 1962م.

على أنه لا معنى للدولة المدنية الحديثة بمعزل عن مجموعة القيم الناظمة لها كالمواطنة المتساوية والتداول السلمي للسلطة ونبذ العنف والاحتكام للعملية الديمقراطية واحترام المرجعية الدستورية، بما يكرس من مكانة الدولة ويعزز من دورها في حماية ورعاية مصالح كل أبنائها، ويمنع صيرورتها إلى مجرد سلطة قمع بأيدي عصابة تُسخّرها لقهر خصومها وتمرير مصالحها.

وعطفاً عليه، فإن جوهر الصراع المحتدم اليوم بين قوى الثورة السلمية والمتربصين بها يتمثل في أن الأول يكافح لبناء دولة فيما الثاني يلهث وراء سلطة، وهو ما عكس نفسه بالتالي على أدوات كل فريق في الوصول إلى مبتغاه، ففي حين التزمت قوى الثورة السلمية بالنهج السياسي السلمي كأداة لبناء الدولة وتعزيز الشراكة الوطنية، عمد المناؤون للثورة إلى ممارسة العنف وإثارة الفوضى والاضطرابات لتقويض الدولة والانقضاض على السلطة والاستحواذ عليها، وذهبوا يمارسون خداعا وتضليلا كبيرين على الرأي العام عندما وضعوا قدما في الحوار وأخرى خارجه، لينغمسوا في العنف والإرهاب وتخريب الوطن. والأنكأ منه، أنهم عادوا ليطالبوا بالشراكة في السلطة وإدارة الدولة، فيما يستمرؤون سياسة العنف والفوضى والانقلابات، ويتشبثون بالسلاح كحق مكتسب رافضين التخلي عنه وتسليمه للدولة كحق من حقوقها الواجب احترامه والانصياع له!

تلك هي القسمة الضيزى التي يريد الحوثة وحلفاؤهم من الفلول والانتهازيين تمريرها وسوق الناس إليها وتكريسها كأمر واقع لا مناص منه، وإلاّ فالفوضى والتخريب وإشعال الحروب هي البديل. ولم لا طالما والجماعة متخمة بالسلاح الذي يأتيها براً وبحراً من كل حدب وصوب، ومعسكراتها تمتد وتتسع حتى إلى خارج الحدود لتصل إلى أريتريا؟! والسؤال كيف لهؤلاء أن يكونوا شركاء في إدارة الدولة وهم يقيمون لأنفسهم دولة مستقلة في صعده، وآنّى لهم أن يكونوا شركاء في بناء الدولة وهم يرفعون سلاحهم في وجهها ويتآمرون للإجهاز عليها وتقاسمها مع المتربصين بها في الداخل والخارج؟!

المثير للدهشة أن الحوثي يريد الشراكة في السلطة لكن مع ضمان احتفاظه بجيش مستقل بكامل عتاده العسكري الذي ينافس جيش الدولة، ليكون بمثابة سلطة أخرى في مقابل سلطة الدولة، وليسهل عليه من ثمّ تكريس نفسه كمرجعية سياسية منافسة لمشروعية الدولة. كما أنه يلهث خلف الشراكة في السلطة والحكومة القادمة لكن مع منحه حق الامتياز في أن تكون فوهات بنادقه مُشرعة صوب رؤوس شركاء السلطة، وهو التفسير الوحيد لتشبثه بالسلاح وتوسعه في امتلاك الأشد فتكا.

يريد الرجل الشراكة في السلطة وتقاسم مقاعد الحكومة فيما هو لا يعترف أصلا بالحكومة ولا بالنظام السياسي برمته، فيعدّ القائمين عليه مغتصبين لحق من حقوقه الممنوحة له بموجب التفويض الإلهي الذي شرعنته نظرية الولاية والاصطفاء التي يروجون لها بين الجهلة والسذج، فما عدا الحوثي يعد مغتصبا للحكم ولا يصلح حتى لإدارة مدرسة بحسب تعبيره. وبالتالي كيف والحال هكذا يستطيع أمثال هؤلاء الاندماج في المجتمع والشراكة مع القوى السياسية في بناء دولة لا يعترفون بها أصلا ويكنون لها كل البغض والاحتقار!! وفوق ذلك، هل يستطيع هؤلاء ان يكونوا جزءا من عملية البناء والتلاحم الوطني وهم يشنون كل تلك الحروب على أبناء جلدتهم في أكثر من محافظة ومديرية وعزلة؟

لا خلاف على أنه من حق الحوثي وجماعته أن يكونوا شركاء في السلطة وفي أي تسوية سياسية شريطة أن يضعوا سلاحهم جانبا وينبذوا العنف وينخرطوا في العمل السياسي ويكتسبوا مشروعيتهم منه، إذ لا مشروعية حقيقية خارج الأطر السياسية والدستورية، ولا مشروعية سياسية يمكن اكتسابها عبر قوة السلاح وغلبة القوة، كما لا يمكن تأسيس الشرعية عبر استدعاء التاريخ واستحضار إرث الطائفة والتمترس فوقهما لانتزاع الاعتراف خارج المشروعية الشعبية والمشاركة السياسية.

على أن الحقيقة التي يعمد الحوثيون إلى تغييبها تنطق بوجودهم في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية، وتفصح عن إقصاء كاذب ومظلومية زائفة تحاول استدرار عطف الخارج الذي يحرضون عليه في الداخل لتسويق أنفسهم وإحراز مكاسب سياسية. وقد عمقت الجماعة تواجدها السلطوي بفضل علاقتها الوثيقة برأس النظام السابق وتدوير سلاحه إلى مخازنها التي تكتظ بها العاصمة، فيما تماهت مواقفها داخل مؤتمر الحوار وخارجه مع مواقفه، والتقت على هدف إفشال الحوار والسعي لتقويض الانتقال السياسي وإنهاك الرئيس وحكومة الثورة.

وفي الوقت الذي حرص المشترك على إدماج الحوثيين في الحوار الوطني سعياً لإقناعهم بالتخلي عن السلاح ونبذ العنف كخطوة ضرورية لإعادة تأهيلهم في الحياة السياسية، إلاّ أن مشاركتهم تلك كانت مخيبة للآمال، إذ هدفت لذر الرماد على العيون وكسب الوقت، بدليل رفضهم القاطع لكل مخرجات الحوار ذات الصلة بنزع سلاح المليشيات والجماعات المسلحة، وعوضا عن إظهار حسن النوايا إزاء أمر كهذا، فقد سارعوا للبحث عن الحجج والذرائع للهروب من مواجهة الحقيقة، متذرعين بضعف الدولة وفوضى السلاح وامتلاك أطراف عديدة له، متناسين أن ميلشياتهم هي من ترفع السلاح في وجه الدولة وهي من تستخدمه لقتل اليمنيين وزعزعة استقرارهم، تماما كما يمارس الإرهابيون القتل في مناطق مختلفة من البلاد، وكما فعلوا مؤخرا في مجمع الدفاع بالعرضي. وقد برهنت الوقائع أن المخاطر التي تهدد أمن البلد واستقراره ووحدته إنما تأتي من تلك الجماعات ذات النزعة الاستقلالية الموغلة في التطلع للسلطة وبناء مشاريعها الصغيرة على أنقاض المشروع الوطني الجامع.

ليقدم لنا الحوثي ومريدوه مشروعهم الوطني الذي ينافحون عنه، غير مشروع ولاية البطنين والاصطفاء على الناس وحق استعبادهم بالتفويض الإلهي المزعوم. فليخبرونا عن رصيدهم الوطني في نصرة قضايا الشعب وتبني خياراته الوطنية، عدا تلك الثماني سنوات التي حاربوا فيها ثورة سبتمبر واستدعوا مرتزقة العالم لوأدها، وعدا ما يقومون به اليوم من نسج التحالفات مع قوى الثورة المضادة في الداخل والخارج لاحتواء ثورة فبراير. أين هو نموذجهم السياسي ومشروعهم الوطني الذي يمكنهم المباهاة به وتقديمه كبديل؟ أي مشروع سياسي محترم هذا الذي يرفع شعار الموت والكراهية ويسترخص دماء اليمنيين ويستبيحها في كل مكان؟ أية شراكة سياسية هذه التي يمكن أن تبنى مع أناس يعتقدون في قرارة أنفسهم أن غاية الشرف الذي يمكن أن تناله هو أن تعمل في خدمتهم، وأنك إنما خلقت لأجل هذه الغاية. أيمكن بناء دولة مدنية حديثة مع أناس مشروعهم الموت والقتل والتطهير الطائفي والإقصاء السياسي؟ بناء الدولة لا ينهض به تجار السلاح وأمراء الحرب، وأنّى لمن أشعل ستة حروب متواصلة في خاصرة الوطن أن ينهض به، ولمن يهدم بيوت اليمنيين على رؤوسهم ويشردهم من قراهم ويحاصرهم في مناطقهم ويرسل لهم الموت عبر قذائف الدبابات وصواريخ الكاتيوشا ويمنع عنهم الغذاء والدواء، كيف له أن يبني لهم وطنا آمنا ودولة مدنية حديثة؟

يقينا ليس أحد أحق بالاحتفاء به من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس أحد أحق بالبهجة به والسرور والأنس لذكره من سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وليس أحد أحق بالتعظيم والتبجيل والحب والاتباع من هذا النبي العظيم ذي الخلق العظيم. صلى عليك الله يا علم »

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء

لا توجد مشاهدة

لا توجد تعليقات