صنعاء المطمئنة
بالرغم من كل القلق الذي يعسكر في الأنحاء ، بالرغم من الحالة السياسية التي توشك على الموت ، بالرغم من أن الأيدي على الزناد ، بالرغم من الحالة الإعلامية القذرة التي ابتكرت كل وسائلها لإقلاق الناس في صنعاء .
إلا أن صنعاء لاتبدي قلقا ولا خوفا ، تمتلئ بالزغاريد والأعراس ، بالموسيقى والغزل ، ببائعات الفل والكاذي على أرصفة الشوارع ، وبأسواق الفاكهة وعمال الخياطة ،كل شيء في صنعاء يبدو مطمئنا ، لم نلاحظ ذلك القلق في ملايين البشر الذين يمارسون حياتهم بقلة اكتراث لما يحدث في أطرافها .
إلام تطمئن صنعاء ؟
يشغلني هذا السؤال وهي المدينة التي تسخر من الحصار والقلق .
هل هي حماقة التفاؤل بأن الأفضل لم يأت بعد ، أم حكاية التاريخ بأنه لاشيء أسوأ مما كان ؟
هل تطمئن صنعاء لشهر عرسها الكبير سبتمبر العظيم وأن خمسين عاما من الشباب السبتمبري أكبر بكثير من الفقاعات السوداء التي تحول أن تشوه احتفالاتها بالفرح ؟
هل تطمئن لرجال جيشها القوي الذين جعلهم سبتمبر العظيم هدفا رئيسا في سفر انعتاقها الأول ؟
هل تطمئن لأبنائها - وقد احتضنت كل أبناء اليمن - وسقتهم عشقها مع لبن الأمهات ؟
هل تطمئن صنعاء إلى رئيسها الذي خبرت منه موقفا وحدويا شجاعا ذات زمن ؟
هل لقوتها الخبيئة في الجمال والنقش والحناء والمشاقر ؟
أم أنها تعلم وهن الخصوم وهي التي خبرت أكاذيبهم أزيد من ألف عام ؟
إلى تاريخها الكبير أم إلى جغرافيتها التي تحرسها الصخور عند كل باب ؟
إلى تنوعها الثقافي والسياسي والاجتماعي باعتبارها مدينة أكبر من أي سلالة وعرق أم هي تعلم هزال فكرة السلالة والحق الإلهي ؟
إلى جذر الحرية العميق الذي غرسه سبتمبر وتعهدته ثورة فبراير المجيد بالسقي والرعاية بعد دهور عاشها الناس مع السلاسل والمعتقل والرهينة والعكفي والمثمر وبورزان الإمام ؟
أم إلى نظامها الكوني الجديد الذي صار يلفظ أنظمة العبيد ؟
إلى تاريخها السلمي البعيد حيث كانت أم القرى التي أسلم أهلها برسالة المعلم الأول ولم يحشد لها الجيش ويقطع عنها حبال الوتين ؟
أم إلى رياح السبعين المحملة بأسماء أبطاله الكبار ، أولئك الذين كسروا حصار الأمس المثقل بالخطيئة ، وكما توالد الحصار يتوالد من كسروه ؟
إلام تطمئن صنعاء وهي تلهو ساخرة بكل هذا الضجيج المتمترس بالأكذوبة والبلادة والطيش ؟
ولماذا تبدو هكذا مثل مدينة للأسود لاتهاب شيئا ؟
ثمة أسرار في صنعاء مخزونة في صندوقها القديم ، وهذه الأسرار يعرفها عاشقوها فهي لا تحكي لغير العاشقين !!!