هل وفرت ثورات الربيع مناخا للتقسيم ؟

06 - مارس - 2014 , الخميس 03:02 مسائا
3766 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةمحمد العمراني ⇐ هل وفرت ثورات الربيع مناخا للتقسيم ؟

محمد العمراني
محمد العمراني

في نهاية العام الماضي نشرت النيويرك تايمز خريطة جديدة للمنطقة العربية وعليها عنوان " كيف لـ 5 دول أن تصبح 14 " تظهر فيه تقسيم السعودية إلى خمس دول و سوريا إلى ثلاث دول وكذلك العراق وستنقسم ليبيا إلى دولتين وربما ثلاث وستنقسم اليمن إل دولتين " .



أحدثت هذه الخارطة حينها ضجة إعلامية كبيرة وأبدى السعوديون غضبهم وهو مادفع الصحيفة للاعتذار بالقول إن الموضوع هو وجهة نظر لكاتبها روبرت رايت .

(رابط الخارطة في التعليق الأول لمن يرغب في المزيد ) .



قبلها قرأنا عن خارطة الشرق الأوسط الجديد التي نظر لها كثيرا برنارد لويس صاحب الخبرة الطويلة في المنطقة العربية ، وسواء كان حديث برنارد لويس عن خارطة الشرق الأوسط الذي قال إنه سينقسم إلى 34 دولة ، وهي في أغلبها دول ذات انحيازات طائفية بين السنة والشيعة أو قومية بين العرب والأكراد وهكذا ، سواء كان الحديث دقيقا أم غير ذلك فإن فكرة التقسيم ظلت هاجسا لدى الخصوم وهدفا كبيرا لهم على امتداد التاريخ .



لويس هو امريكي من أصل انجليزي كتب كثيرا عن الشرق الأوسط ، وقال عنه إدوارد سعيد المثقف الفلسطيني المعروف "قيل لي بأن لويس يعرف شيئا عن الأتراك أما عن العرب فهو لا يعرف شيئا " ، وكان إدوارد سعيد قد خاص معه نقاشات موسعة حول المنطقة العربية وعلق عليه بهذا القول الجريء .



في عام 2011 ومع ثورات الربيع كان محمد حسنين هيكل يحذرنا من مخاطر اتفاقية تقسيم جديدة سماها هو " سايكس بيكو جديدة " وكان يستند في حديثه عن فكرة الفوضى الخلاقة التي نظرت لها كوندوليزا رايس ، حينها لم نكذبه ، فمع أي فرصة للفوضى هناك فرصة للتدخل الأجنبي للاستفادة منها ، وهو أمر تكرر كثيرا في تاريخ الثورات ، غير أن حديثه كان وقتها عبارة عن محاولة أخيرة لتخدير الشباب الغاضب لكي يقبل بالواقع الأليم ، لم يستمع له أحد ، ليس لأنهم لم يصدقوه ، بل لأن روح المغامرة كانت أقوى ، فالنظام لم يعد قابلا للإصلاح والأبواب فيه موصودة ، أما المستقبل فيمكن أن يأتي بالمطر ، ولهذا انتصرت المغامرة على القبول بالظلم ، بعض النظر عن كل ماحدث بعد ذلك .



التقسيم إذن فكرة ممكنة وليست بعيدة ، ولكن تنفيذها لن يكون سوى بأيد وطنية ، ولعلنا نلاحظ الآن مدى استعداد الأطراف التي أخرجتها الثورة من معادلة الفعل السياسي والتأثير لأن تفعل كل شيء من أجل أن تفشل الثورة حتى ولو غرق الوطن كله في مستنقع التقسيم والفوضى والعنف .

بهذا فكر الذين قبلو بالمبادرة الخليجية ، بأن يمنحو المنهزم فرصة للعيش بالرغم من كل جرائمه وحماقاته ، فقط حتى لا تكون الثورة تخطئ حين لا تترك لخصمها فرصة أخرى غير الموت منتحرا بقنبلة يفجر بها نفسه والخصم والوطن ، ربما أخطأت الحسابات حيث كانت النتائج عكسية ، ربما كانت موفقة أيضا ونحن نقارنها بالضحايا في بقية بلدان الربيع وما آلت إليه الأمور هناك .



التقسيم إذن فكرة ممكنة الحدوث وليست حديثا ترفيا ،

فخطة مثل تقسيم السعودية - مثلا - لايمكن أن تمر إذا بقي مجلس التعاون الخليجي متماسكا ، والخطوة الأولى في مشروع التقسيم هناك هي أن ينفصل هذا الكيان عن بعضه ، حتى وإن كان هذا الكيان لا يقوم بشيء كبير من الناحية العملية .



يمكن أن نشير هنا إلى أن أول خريطة تقسيم نشرت للسودان كانت في العام 1954 ، ويعلم الجميع بقية التفاصيل .



في اليمن خرج مؤتمر الحوار بخيارات الأقاليم وعددها الستة ، والفيدرالية بالنهاية هي تنظيم إداري غير أنه في دول هشة وضعيفة يمكن أن يشكل خطرا على الوحدة الوطنية إذا ماتعامل معه المجتمع والقوى السياسية على أنه تقسيم وليس تنظيما أو تفكيكا للنزعة المركزية التي ثبت فشلها عربيا ليس في اليمن فحسب بل في كل المنطقة تقريبا .



السؤال الآن



هل وفرت ثورات الربيع العربي مناخا جديدا للتقسيم ؟



يمكننا القبول بهذا القول فقط إذا سلمنا بأن حركات التحرر العربية التي شهدها منتصف القرن الماضي كانت أيضا سببا في تقسيم البلاد العربية ، فسايكس بيكو إذن - وبحسب هذا المنطق - كان سببها أولئك الذين ثارو ضد المستعمر وطردوه من الأرض ولكنه التف عليهم باتفاقية سايكس بيكو وصنع منهم دولا صغيرة .



لقد انهار الاتحاد السوفيتي في سبعين عاما وتمزقت ولاياته دولا ، هل كان بسبب ثورات المظلومين في بلدانهم التي صارت دولا ، أم بسبب القهر الذي يجعل الغرفة الآمنة وطنا كبيرا مقارنة بوطن مشحون بالقلق والخوف ؟



البلدان التي انتفضت ضد دولة الخلافة الموحدة ، الخلافة العثمانية مثلا ، واليمن مثالا واضحا في ذلك ، فهل كان اليمنيون ثائرون ضد الأتراك وعنجهيتهم ، أم أنهم أوجدو الأرضية لتقسيم الدولة الكبيرة وإرهاقها ، وأن هذه الثورات أسهمت في إنتاج ماعرف لاحقا بالرجل المريض الذي اقتسمت تركته سايكس بيكو .



التقسيم إذن لم يكن فكرة الثورة ، لاقديما ولا حديثا ، غير أن الظلم والطغيان والفساد والعنف والإرهاب وغياب القانون ، هذه وغيرها جعلت الشعوب تختار الثورة في مغامرة تقول بوضوح " ليس أسوأ مما نحن فيه ، ولم يعد لدينا مانخسره " ، وحين تستفيد القوى الكبرى من حالة الضعف الذي تنتجه الثورات يكون هؤلاء الظالمون المستبدون هم وحدهم من يحمل مسئولية مايمكن أن تؤول إليه الأمور .



الآن سيحدثوننا عن تقسيم اليمن، وعن تقسيم المنطقة وعن خارطة الشرق الأوسط الجديد التي انتجتها فوضى الثورات ، أما نحن فنعرف أن الوطن الذي صار مزرعة خاصة للأولاد والأنساب والأصهار لم يعد يعني لنا وطنا .



يصور الماغوط هذه الحقيقة بحوارية رائعة يختم فيها القاضي سؤاله للمتهم

- هل قلت إن الوطن لا يساوي حذاء ؟

- لقد كنت حافيا ياسيدي .



الوطن في نظر السجين هو جدران غرفته الأربعة وربما حدود فراشه ، و لقد كانت الشعوب تعيش في سجن كبير قررت الخروج منه حتى إلى الجحيم .



سيحدثك بعض الحمقى الآن عن عبثية الثورة ، بيينما كان الأصل أن يتحدثو عن من أوصل الناس إلى هذا المستوى من الغضب ؟ .



أشفق كثيرا على أولئك الذين يفكرون جديا بتمزيق اليمن ، فقط حتى تصدق نبوءة زعيمهم الذي قال إن اليمن بغيره سيتمزق ، يقولون لك هاهو الوطن يتمزق ، أما نحن فلم نكن نرى من الوطن سوى مزرعة خاصة وفاتنة و كبيرة، لكننا منعنا إليها من الدخول .

مدينة يقتلها الخذلان محمد عمراني لم نكن نعلم أن مهمة منظمات المجتمع الدولي تتوقف فقط عند إحصاء القتلى والمصابين الذين تقتلهم أطراف الصراع . لدينا عشرات المنظمات ترفع تقاريرها عن #‏تعز لكن هذه التقارير المطبوعة بالألوان الفاخرة تتحول إلى »

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء