ثقافة الإفراط في «الأنانية»

06 - نوفمبر - 2014 , الخميس 06:42 مسائا
3534 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةفكر و ثقافة ⇐ ثقافة الإفراط في «الأنانية»

ثقافة الإفراط في «الأنانية»


| | بقلم | د.رحيل محمد غرايبة


مجموعة من الأمراض الاجتماعية الغريبة أخذت تغزو مجتمعاتنا بكثافة ملحوظة واصبحت كالوباء الذي يهدد المجتمع والأمة، ويلحق بها أضراراً فادحة على الصعيد المعنوي وعلى الصعيد المادي معاً، وكذلك على المستوى الفردي والجماعي في آن واحد، وأصبحت الظروف السياسية المغلفة بروح اليأس والاحباط، و الظروف الاقتصادية الصعبة والمتردية تشكل بيئة مناسبة لانتشار هذه الأمراض والأوبئة، وتزيد من صعوبة معالجتها،وتحول دون القدرة على استئصالها.
من هذه الأمراض الاجتماعية الخطيرة هو مرض « الأنانية» الفتاك الذي تظهر آثاره على المصاب في معظم تصرفاته وسلوكياته الصغيرة والكبيرة، فتلحظ ذلك بوضوح على قيادته للسيارة، وهو يتنقل بين المسارب، ويحشو نفسه بين السيارات، ويغلق الاتجاه المعاكس او وهو يبحث عن فرصته الشخصية في تجاوز السيارات الأخرى، ويتسبب في إحداث أزمة خانقة، أو في استمطار الحوادث المفزعة، وربما ادت تصرفاته الى قتل نفس أو جرح آخرين أو ان يكون سببا في إلحاق عاهات وأضرار بليغة في أجسادهم، كل ذلك من أجل اشباع الشعور الذي يملأ عقله وقلبه بأنه أفضل من غيره أو أكثر أهمية، والذي يمتزج بشعور موازٍ يقوم على احتقار الآخرين وازدرائهم، ويفتقر إلى الاحساس بالمساواة معهم ،وينعدم لديه الاحساس بحاجتهم وتقدير مشاعرهم.
تلحظ هذه الأعراض على المصاب بهذا المرض أو من يحمل هذا «الفيروس» اللعين من خلال عدم الالتزام بدوره عندما يريد شراء حاجاته من «الفرن» أو «السوبر ماركت»، ولا يفكر في احترام وقت الذين سبقوه في القدوم على عيادة المرضى، أو على موظف استقبال المعاملات، ولا يملك الاستعداد لمساواة نفسه أو ابنه في التنافس الشريف والخضوع لمعايير القبول في الجامعات، أو الوظائف العامة، ولذلك يكثر لدينا البحث عن «الواسطة» والمحسوبية، واستخدام النفوذ والموقع، والمال والقرابة، من أجل السطو على حق الآخرين،والاستئثار بالمنفعة العامة.
ربما يكون هذا الشكل البسيط الظاهر لهذا المرض، ولكنه في الحقيقة لا يقتصر على هذه السلوكيات اليومية والأنماط التفاعلية في الحياة العامة، بل يظهر بالطريقة نفسها في شؤون الإدارة العليا والدنيا، والعمل السياسي والعمل الحزبي، وكل أشكال العمل العام، «فالأناني» في قيادة سيارته في الشارع العام، يكون أنانياً بالدرجة نفسها وهو موظف أو رئيس دائرة، أو عضو مجلس إدارة أو مكتب تنفيذي لحزب أو مؤسسة أو شركة أو «كنترول» باص، أو مراسل في دائرة الأراضي، أو حارس على بوابة أحد الكبراء والمتنفذين .
نحن مجتمع عربي اسلامي، يستقي ثقافته في الأصل من منظومة قيم رفيعة، تقوم على إلزام النفس بالحق والاعتراف بحق الآخرين، وتقوم على المساواة بين الناس في أصل الخلقة وتقوم على محاربة كل أشكال التمييز القائمة على العرق أو اللون أو الدين أو المذهب أو المال، ونحن جميعاً نقرأ ونحفظ قوله تعالى : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ « وكلنا يحفظ قول الرسول العربي صلى الله عليه وسلم : « لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».


عندما تسافر إلى بعض الدول المتقدمة وترقب تصرفات الناس العامة، نجد مظهراً ملحوظاً يتجلى في احترام حق الآخرين، والانضباط بالدور، والخضوع للقانون والنظام العام، وقل ما تجد مظاهر الأنانية المفرطة التي تسللت إلى مجتمعاتنا المنكوبة بالتخلي عن قيم الالتزام بالمصلحة الجماعية والالتزام بصيانة المجتمع الذي عبر عنه حديث «السفينة» المشهور.
خلق « الأنانية» لا يقتصر على أن يكون سبباً في ازعاج العامة، وخدش المشاعر الانسانية الرقيقة، بل يمثل أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الانهيارات السياسية في أقطارنا وبلداننا العربية، ويمثل أحد أهم معيقات الاصلاح المنشود، ويعد اكبر عقبة أمام التقدم الاقتصادي، وأمام تحقيق النهوض العام لمجتمعاتنا وأوطاننا ، ولا ينطوي هذا الكلام على مبالغة أو تهويل، بل هي الحقيقة.
مما يجعلنا جميعاً أمام مسؤولية كبرى، يشترك في حملها الفرد والجماعة، والحكومة والأحزاب وكافة القوى السياسية والاجتماعية، والأسرة والعشيرة، والمدرسة والجامعة؛لنجيب على السؤال : «كيف ننزع من نفوس أبنائنا بذرة الأنانية المقيتة، وكيف ننمي فيهم بذرة حب الآخرين، وحب المجتمع وحب الوطن، وكيف نرفع مستوى التربية لدى الأجيال القادمة من أجل أن تملك معيار تفضيل المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وان تعمل جاهدة على حماية الحق العام وحراسته بمستوى حماية الحق الشخصي وصيانته.


المصدر | الدستور

*عام على رحيل رائد النشيد الإسلامي* *رضوان خليل (أبو مازن)* الضالع نيوز - خاص - فؤاد مسعد النور ملء عيوني والحور ملك يميني وكالملاك أغني في جنةٍ وعيونِ في القاهرة قضى رائد النشيد الإسلامي سنواته الأخيرة حتى وفاته في الـ15 مارس 2023، عن عمر ناهز 70 عاماً، تاركاً أثراً خالداً من تتمة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء